الصفحة الرئيسية > الأخبار > سياسة > موريتانيا . . أزمة 5 سنوات أخرى

موريتانيا . . أزمة 5 سنوات أخرى

الجمعة 4 نيسان (أبريل) 2014


خمس سنوات أخرى ستنضاف إلى عمر الأزمة السياسية في موريتانيا عشية الانتخابات الرئاسية المرتقبة في يونيو/ حزيران المقبل، في ظل تمسك أطراف الأزمة السياسية بشروطها "التعجيزية" .
ولا يعول الكثير من المراقبين في نواكشوط على نتائج الاتصالات الجارية بين نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز ومنسقية المعارضة الراديكالية، رغم دخول الطرفين في "حوار تمهيدي" يحضّر لإطلاق حوار جديد يفضي إلى تنظيم انتخابات توافقية . فالأزمة السياسية الموريتانية اتخذت أبعاداً شخصية أكثر منها وطنية وسياسية، وهكذا بات كل طرف يحشد عرباته أمام الأحصنة منذ انطلاقة الأزمة إبان انقلاب 6 أغسطس/ آب ،2008 ذلك الانقلاب الذي كشف عن أن صراع النخبة السياسية الحالية هو صراع يدور حول مكسب واحد اسمه "الكرسي الرئاسي" . وهكذا كان الفشل المحتوم مصير كل الحوارات والتفاهمات والاتفاقات التي أبرمت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم .
خلال هذه الفترة انقسمت المعارضة الموريتانية إلى فصيلين رئيسيين هما "ائتلاف أحزاب المعاهدة"، التي انتهزت فرصة التطورات، وبالخصوص أحداث "الربيع العربي" وتداعياته على الساحة الموريتانية وتجييش رايات "الرحيل" في الشوارع، فوضعت يدها في يد النظام سعياً لمكاسب انتخابية ووظائف عمومية، ووصلت إلى بعض مساعيها بعودة قوية نسبياً إلى البرلمان والبلديات، وحصول رئيسها مسعود ولد بلخير على منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة دستورية) .
أما منسقية المعارضة الراديكالية التي يقودها أحمد ولد داداه فواصلت مساعيها لإطاحة النظام عبر الشارع وعبر رفض التوصل لحلول وسطية مع النظام، ضمن استراتيجية حجب الإجماع الوطني، التي مهدت لانقلابات عسكرية في السابق .
لكن يبدو الآن أن هذه الاستراتيجية وصلت طريقاً شبه مسدود، فالجنرال الحاكم (الرئيس) محمد ولد عبدالعزيز أولى المؤسسة العسكرية عناية غير مسبوقة، وتحوّل جنرالاتها إلى قادة "إقطاعيات عسكرية كبيرة" أصبحت مصدراً مدراً للدخل من دون حدود في ظل نفوذها وتوسع دورها في الأمن الإقليمي (منطقة الساحل)، وبفضل الدعم اللامحدود من طرف القوى الغربية (الاتحاد الأوروبي وأمريكا)، التي ترى في الموقع الاستراتيجي لموريتانيا خياراً لا مفر من تبنيه .
وهكذا لجأت منسقية المعارضة أمام "انسداد البوابة العسكرية" إلى محاولة الاختراق الانتخابي عن طريق سلب النظام ورقة التحكم والإشراف على الانتخابات، واقترحت تشكيل حكومة مستقلة تشرف على الاقتراع الرئاسي، وعشرات الشروط الأخرى، التي من شأنها تحرير الناخبين من الولاء التقليدي لمرشح الدولة .
هذه الاستراتيجية قوبلت برفض شديد وواضح من طرف النظام، الذي أبلغ المعارضة عبر الوسطاء عن استعداده للتضحية بلجنة الانتخابات و"المجلس الدستوري" (المحكمة الانتخابية)، مع تمسكه برفض تأخير الانتخابات ولو ليوم واحد أو المس بتشكيلة الحكومة .
هذا هو مضمون الرسالة التي حملها الأسبوع الماضي زعيم المعارضة المعتدل بيجل ولد حميد إلى قادة المنسقية .
وعلى مضمون هذه الرسالة التي أبلغت أيضاً عن طريق رئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغظف في لقاءاته مع قادة في المنسقية، اتضحت الآن السيناريوهات التي ستؤول إليها الاتصالات بين النظام والمعارضة .
فإما أن توافق المنسقية على "تنازلات ديكورية"، وفق تعبير أحد قادة المنسقية تحدثت إليه "الخليج"، و"بالتالي تذهب إلى الانتخابات الرئاسية متأكدة من الخسارة ومن تشريع الانتخابات لولد عبدالعزيز"، وإما "أن تقاطع، وبذلك تتاح الفرصة أكثر لقوى المعارضة المعتدلة ولمرشحين رئاسيين آخرين بتحقيق نسب انتخابية تخولهم للعب دور مستقبلي في الساحة السياسية"، وبذلك ترتفع مؤشرات تجديد الطبقة السياسية، وفق قيادي بالحزب الحاكم .
وتؤكد الاجتماعات المستمرة والطويلة التي ينظمها حالياً زعماء المنسقية حول حسم موقف المعارضة بالمشاركة أو المقاطعة صعوبة الخيارات أمام المعارضة في الظرفية الراهنة، إذ لم تعد المنسقية تملك الكثير بعد احتلال "رفاقها المعتدلين والمستقلين" لمناصبها في البرلمان والبلديات خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبعد انتشار حمى العزوف الكلي للرأي العام الموريتاني عن خيار النزول للشارع .
خلال الأسبوع الماضي أسندت المعارضة رئاسة ائتلافها الجديد (منتدى المعارضة) إلى العقيد والوزير السابق الشيخ سيد أحمد ولد باب مين، وهو شخصية معارضة مستقلة، ولم ينتم لأي من القوى الحزبية للمعارضة التقليدية .
وقد فسر هذا الاختيار بأنه انتصار مرحلي لجناح الحمائم داخل المنسقية، وقد يساهم في التوصل إلى "موقف موحد" من الانتخابات الرئاسية المرتقبة، خاصة بعد الإشارة التي أرسلها "إخوان موريتانيا"، والتي لوحوا من خلالها لأول مرة إلى استعدادهم لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، معلنين أن الإكراهات التي دفعتهم للمشاركة في التشريعيات لا تتوفر في الانتخابات الرئاسية .
بذلك أيضاً يتعزز موقف الزعيم التاريخي للمعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه، حيث تفيد التسريبات من داخل حزبه أنه ينحو بقوة نحو مقاطعة الانتخابات ما لم تلب الحكومة شروط المعارضة التي تضمنت انتخابات توافقية وشفافة .
هذا فيما كانت الإشارة الوحيدة الصادرة عن الرئيس السابق العقيد علي ولد محمد فال هي أنه سيلتزم بالموقف الموحد للمعارضة من الرئاسيات .
غير أن المنتدى الذي يتكون من عشرين حزباً ومنظمة مدنية لا يتوقع أن يتوصل لقرار موحد من الانتخابات بسهولة سواء بالمشاركة أو المقاطعة، فمن داخل اجتماعات المنتدى تتسرب الكثير من روائح الخلافات الحادة، وأخشى ما يخشاه أنصار المعارضة هو انقسامها في وجه الانتخابات الرئاسية كما حدث للمنسقية إبان التشريعيات الماضية، وكانت النتائج "كارثية" بأبسط جردة حساب سياسي .
إن الشروط التي تطالب المعارضة الموريتانية بتوفرها لشفافية الانتخابات قد تتطلب تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة عام على الأقل، وأمام إصرار الرئيس الموريتاني على عدم التأجيل ولو ليوم واحد لتفادي أي فراغ دستوري، تضيق مساحة المناورة أمام المعارضة، فآخر أجل دستوري للانتخابات هو يوم 21 يونيو/ حزيران المقبل، ولا تكفي أسابيع محدودة لحوار موريتاني حول عشرات النقاط الرئيسية والجزئية، التي سيكون موعد تنفيذها قد تجاوزته عقارب الساعة الانتخابية الرئاسية .
وفق التسريبات التي حصلت عليها "الخليج"، فإن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز أكمل جاهزيته للترشح لمأمورية ثانية، والرئيس الذي أنهى تنقيح تشكيلة حملته الانتخابية باختيار طواقمها وشعاراتها وبرنامجه الانتخابي، الذي أعدته لجنة خاصة، وينظر إلى خارطة انتخابية من 5 .1 مليون ناخب، مطمئن إلى أنه قادر على تحقيق "نجاح سريع وكاسح" في الشوط الأول من الانتخابات .
ومع ذلك، يبقى ما يثير قلق الرئيس ومن داخل معسكر الموالاة، خاصة الحزب الحاكم، فقد أمر ولد عبدالعزيز بمواصلة "تنقية" صفوف قيادة الحزب من "المغضوب عليهم"، وجراء ذلك خرجت الموجة الثانية من هؤلاء عبر المؤتمر الطارئ الثاني في غضون شهر واحد، وكان على رأسها الرجل القوي محمد محمود ولد جعفر، الذي أدار الحملة الانتخابية الماضية للحزب (التشريعيات)، فيما ضخ الحزب في مجالسه القيادية وجوهاً شبابية .
وقد أعلن الرئيس الجديد للحزب الدكتور إسلكو ولد إزيد بيه عزمه غزو قواعد المعارضة ودوائرها ب"الطرق الديمقراطية"، وفق تعبيره .
وولد إزيد بيه هو مهندس "المواجهة" مع "الإخوان"، وسبق له أن تصدى لمهمة وضع حد ل"وصاية" الإخوان على قطاع التعليم العالي، وتعني تصريحاته هذه السعي لاستعادة القبائل المغاضبة التي صوتت لصالح "الإخوان" في الانتخابات الأخيرة .
هذا الإعلان كشف أيضاً نوايا الحزب في العودة إلى الاستراتيجية التي اتبعها ولد عبدالعزيز في الانتخابات الرئاسية الماضية (18 يوليو 2009)، والتي مكنته من أن يصبح أول رئيس يكتسح قواعد المعارضة في المدن الكبيرة، المتحررة نسبياً من الولاء التقليدي .
تبقى ملاحظة مهمة وهي أن قيادة الحزب الحاكم، وبموجب التعديلات الأخيرة، خرجت لأول مرة عن هيمنة قائد أركان الجيش الفريق محمد ولد الغزواني، ونسبياً خرجت أيضاً من يد رئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغظف، وقد تكون لذلك تداعياته خلال الفترة المقبلة، حيث يتردد أن الرئيس ولد عبدالعزيز بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية المرتقبة وتحرره من ضغوط العملية الانتخابية، مصمم على إجراء تغييرات جوهرية على طواقم نظامه، وعلى العصف بكل الطاقم الحالي، الذي كان أداؤه جماهيرياً دون مستوى طموح "رئيس الفقراء" .

المصدر : "الخليج" (الامارات)