الصفحة الرئيسية > رأي > ليبيا فى طريق الأوديسة : إلى أين يمضى مستقبلها ؟

ليبيا فى طريق الأوديسة : إلى أين يمضى مستقبلها ؟

الاثنين 19 آذار (مارس) 2012


بقلم : ثريا لوه وابو جاسم لى دونغ

لم ينجح بطل ملحمة الأوديسة الإغريقية فى العودة إلى موطنه إلا بعد عشرة أعوام من التشرد. فقد كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول تتطلع إلى شروق جديد بالكامل فى ليبيا عندما شنت عملية عسكرية يطلق عليها اسم "فجر أوديسا" ضد ليبيا. غير انها لم تقم سوى بدفع ليبيا إلى رحلة الأوديسة الطويلة والشاقة. وبعد سقوط النظام، مازالت ليبيا تعانى الآن من ثلاث مشكلات لم تتعاف منها بعد .

المشكلة الأولى: الاتجاه نحو الانقسام واندلاع الاشتباكات مجددا

أعلن زعماء قبائل وسياسيون ليبيون ، فى 6 مارس الجارى في مدينة بنغازي شرقى البلاد ، إقليم برقة الممتد من حدود مصر في الشرق إلى مدينة سرت غربا، "فيدرالية اتحادية" وقرروا تأسيس مجلس إقليم برقة الانتقالي برئاسة الشيخ أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي. وطالب دعاة الفيدرالية إلى العودة بالبلاد لدستور الاستقلال الذي وضع في عام 1951 إبان فترة حكم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي.

وتباينت ردود افعال الجماهير الليبية تجاه اعلان برقة "إقليما فيدراليا". فكان مئات الاشخاص يرقصون ويغنون فى شوارع بنغازى فيما خرج مئات آلالاف من سكان طرابلس في مظاهرات غاضبة تعبيرا عن غضبهم ورفضهم.

ولقى شخص على الأقل مصرعه وأصيب خمسة آخرون يوم الجمعة الماضى فى مدينة بنغازي إثر اشتباكات مسلحة دارت بين دعاة الفيدرالية ومناهضيها ، التى بدأت بعد توجه دعاة الفيدرالية الذين ينحدر معظمهم من سكان المناطق الواقعة شرقى بنغازي إلى ساحة التحرير الواقعة أمام مبنى محكمة شمال المدينة، ليقيموا مهرجانا خطابيا انتهى بكلمة لرئيس المجلس الانتقالي الأعلى لإقليم برقة أحمد الزبير السنوسي.

وأشار تشانغ شياو دونغ, الباحث بمعهد قضايا غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية , إلى أن النظام المؤقت الضعيف الحالي يصعب عليه السيطرة على القبائل القوية فى ليبيا. فبعد سقوط نظام القذافى, مازالت القبائل الليبية فى حقيقة الامر تحكم نفسها بنفسها ولم تظهر حكومة مركزية موحدة قوية فى ليبيا. ويرى أنه من الصعوبة بمكان ظهور حكومة مركزية أو شخصية قيادية قوية على المدى القصير لتقود الشعب الليبي إلى الخروج من هذا الوضع الصعب .

وقال تشانغ إن النظام المؤقت (المجلس الانتقالى الوطنى) يواجه تحديين كبيرين. اولهما ان ليبيا سوف تجرى أول انتخابات عامة حرة فى الصيف الحالى منذ 60 عاما, وذلك يعنى ان المجلس الانتقالى الوطنى لم يبق امامه سوى اكثر من ثلاثة اشهر فقط لإدارة البلاد . والآخر هو أن ليبيا دولة قبائل وهناك اكثر من 6 ملايين ليبى ينتمون إلى ما يزيد على 100 قبيلة. فهل لدى المجلس الانتقالى الوطنى القدرة على تحقيق التوازن بين مصالح القبائل المختلفة اثناء قيادته؟

المشكلة الثانية: الميليشيات تحافظ على الأمن وتضر به

اجلت الصين 36 ألف من الجالية الصينية فى ليبيا منذ فبراير العام الماضى ولم يتبق سوى تسعة صينيين فى البلاد من بينهم يوانغ تسان هوا الذى يدير مزرعة فى ليبيا.

وقال يوانغ إن النظام الشرطي لم يعد يضم سوى عدد قليل من رجال الشرطة حديثى التخرج للحفاظ على الأمن الاجتماعى ، بالاضافة إلى افراد الميليشيات الذين كانوا ثوارا واصبحوا جيشا خليطا يضم اخيارا واشرارا يحافظون على الأمن من جهة ويثيرون الاضطرابات من جهة أخرى.

وضرب مثالا على ذلك بالضرائب التى تفرض على الشاحنات العامة، قائلا إن الميليشيات تبتز سائقى الشاحنات على الدوام وتجبرهم على دفع ضرائب لحماية الأمن .

وأضاف يوانغ ان تجارة السلاح فى السوق السوداء اصبحت مزدهرة بسبب عدم استقرار الوضع داخليا حيث اصبح فى امكان الميليشيات تجهيز قواتها بأسلحة أحدث فى بعض الأحيان مما كان عليه الحال فى عصر معمر القذافى.

وفى هذا الصدد، ذكر قونغ شاو بنغ، أستاذ جامعة الشئون الخارجية الصينية, ان هناك ميليشيات كثيرة فى ليبيا, تنتمى إلى ثلاث فئات — القوى الدينية الأصولية والقوات القبلية إلى جانب العلمانيين — ومعظمهم موظفى النظام السابق والعسكريين السابقين بالبلاد .

واردف قونغ قائلا إنه من الصعب حاليا التنبؤ بمستقبل الميليشيات نظرا للامركزيتها واقليميتها. وتسعى الميليشيات الآن لتثبيت اقدامها فى مواقع معينة تحقق من خلالها مصالحها الخاصة. وقد اصبحت كيفية حل مسألة الميليشيات مشكلة افتراضية للحكومة المنتخبة ديمقراطيا التى مازال مستقبلها غامضا حتى الآن .

المشكلة الثالثة: تقصير الحكومة تجاه شعبها وصعوبة إعادة الاعمار

كانت مدينة سرت محور الاهتمام بسبب أهميتها بالنسبة للزعيم الليبي السابق القذافى فتحولت من قرية صغيرة إلى رابع اكبر مدينة فى البلاد . ولنفس السبب بالضبط ، اصبحت المدينة المتضررة من الاضطرابات الأخيرة مهملة لدى الحكومة الجديدة ولا ترى أى بصيص أمل فى طريقها نحو إعادة الاعمار .

وذكرت لجنة تقييم الخسائر المحلية فى سرت ان حوالى سبعة أو ثمانية آلاف من منازل سرت بحاجة إلى إعادة بناء أو اصلاح وتقدر تكاليف إصلاح المبانى والبنية التحتية بنحو 1.5 مليار دولار أمريكى. "لكننا لم نحصل على أي دعم من أية حكومة، وحصلنا فقط على مساعدات إغاثة من بعض المنظمات الإنسانية "، حسبما ذكر مسؤول فى اللجنة.

وقال قونغ شاو بنغ إن ليبيا لم تضع حتى الآن جدول اعمال لإعادة الاعمار رغم دعوة الحكومة الليبية المؤقتة المجتمع الدولى إلى تقديم مساعدات لها فى هذا الصدد. ويرى ان الدول القادرة على تقديم المساعدة فى إعادة الاعمار (مثل بريطانيا والولايات المتحدة) لا تود ذلك ، بينما يتبين أن الدول التى تود تقديم المساعدة (مثل فرنسا وايطاليا) غير قادرة على ذلك بسبب انشغالها بأمور داخلية، إذ ان فرنسا منشغلة بالانتخابات المحلية فيما تركز إيطاليا على كيفية مواجهة الصعوبات الاقتصادية . كما تود روسيا تقديم المساعدة ولكنها تخشى ان تقابل بالرفض نظرا لموقفها أثناء الأزمة الليبية.

وأكد قونغ "لذلك, يشك الناس فى قدرة ليبيا الآن على بدء إعادة الاعمار على نطاق واسع ". وقال إن بعض البلدان قدمت أموالا لليبيا من منطلق دوافع إنسانية فقط لضمان احلال الاستقرار المؤقت فى البلاد .

وأشار قونغ إلى أن الأولية القصوى بالنسبة لليبيا الآن هى استئناف إنتاج النفط الخام ليعود إلى المستوى الذى كان عليه قبل اندلاع الاضطرابات .

وقال لى قوه فو، خبير شئون الشرق الأوسط فى معهد الصين للدراسات الدولية , إن كل الدول تأمل فى استقرار الوضع فى ليبيا وإنهاء عملية إعادة الاعمار فى أسرع وقت ممكن رغم خلافاتها بشأن عملية تغيير النظام فى البلاد . وأكد ان نجاح عملية إعادة الاعمار فى ليبيا بحاجة إلى وقت بسبب الغموض الذى يكتنف الوضع بالبلاد .

ثريا لوه وابو جاسم لى دونغ
الوكالة الصينية للأنباء شينخوا