الصفحة الرئيسية > رأي > موريتانيا تتقدم حثيثا.. إلى أين؟!

موريتانيا تتقدم حثيثا.. إلى أين؟!

الخميس 16 شباط (فبراير) 2012


بقلم : محمد فاضل ولد الأدهم

إن المتتبع لموريتانيا، ماضيها وحاضرها، يجدها أسطورة ولغزا.. أسطورة لأنها شكلت منكبا برزخيا يزجي الشعر والأدب.. في ركن قصي أقيمت عليه دولة المرابطين التي امتدت شمالا حتى وصلت إلى الأندلس، إثر معركة الزلاقة الشهيرة بقيادة يوسف بن تاشفين، وأصبح هو وقومه يرددون على أمراء الحرب "نحن الذين رددنا لكم الكرة عليهم" ثمانية قرون استعادت فيها الأندلس ازدهارها وألقها.. وجنوبا إذ دخلوا فاتحين جنوب النهر وموصلين قبسا من نور إلى أدغال القارة السمراء..

ولغزا بعد أن انكفأت حكامة دولة المرابطين وانقسمت البلاد إلى تركة على أربع إمارات ذات طابع سلطوي واحد، وبدأ الملل ينخر أوساطا اجتماعية بعينها لم ترض بقسمة ضيزى حسب شعورها.. فألبت أقواما منها بخطاب ظاهره ديني محض.. نتجت عنه حرب أهلية دامت ثلاثين ليلة، وسميت يومها بحرب "شربب" وكانت الغلبة لمن له اليد الطولى والخبرة في استخدام السلاح وباءت المحاولة بالفشل الذريع.. مما نتج عنه آنذاك فرمانات أميرية ما زال البعض يتجرعها ولا يكاد يستسيغها في زمن ثورة الربيع العربي.

ثم جاء الاستعمار الفرنسي فانقسم الناس من حوله إلى فئتين، واحدة مرحبة به، وأخرى رافضة وطاردة له. وكل يبرر حججه بالدلائل الشرعية حتى يجد قبولا لدى الآخر وانصياعا للدهماء على رمال متحركة.

وفي ظل الدولة المدنية الحديثة، وبعد أن غسلت الشعوب أيديها من موضة الانقلابات العسكرية.. ركب الجميع سفينة الديمقراطية ظنا منه بالوصول إلى بر الأمان وهو يحدث نفسه بمستقبل أفضل.. بيد أنه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

فأين الموريتانيون من هذا الحراك السياسي الدائر، بعد أن شكلوا أحزابا ونقابات وهيئات مجتمع مدني، وإعلاما حرا يجد فيه البعض ضالته المنشودة للتعبير عن آرائه؟ وكيف ينظر إلى أداء الحكومة؟ وما هي انعكاسات الأزمات على الحدود مع البلدان المجاورة؟ وما دور الإعلام في الظرفية الحالية؟ وما طموح الأقليات عندنا؟ وإلى أين سيصل بهم السفين بعد أن رفع مراسيه عبر المحيط الأطلسي مبحرا؟..

إن احتجنا إلى مفحص فإننا سنرتبك لما يمتلئ به هذا الواقع من الأضداد.. واقع ما له من دافع.. هذه الأضداد تنهك حيوية ونشاط المجتمع وتأتي على الأخضر واليابس من مقدرات البلد الغني بأشياء كثيرة إلا من العدالة والوطنية.. وقد تكون مقولة "وطن نستفيد منه لكن لا نضحي من أجله" ظاهرة للعيان، فإن أنت نظرت إلى تركيبة الخريطة السياسية ستجدها- وهو شيء غير مألوف في الديمقراطيات العريقة- في ظاهرها تتألف من أحزاب موالاة ومعارضة إلا أن ظلالها تخفي أحزابا شخصوية انفرادية، فئوية، قبلية، جهوية، إثنية... فأين الهم العام ومصلحة المواطنين عند كامل الأوصاف هذا؟

وإن حاولت تقييم أداء الحكومة الحالية القائمة على أصولها منذ سنوات إزاء المشاكل المطروحة وبإلحاح، كالجفاف والبطالة وحقوق الموظف الذي أصبح يرى أن حرق الجسد بالنار أولى من حفظ النفس، ومشاكل التعليم والصحة والسكن ومخلفات الرق والإرث الإنساني... كلها أمور تجعل الأداء الحكومي يحسن عليه عدم الرضا عند منتقديه في ظل الركود الاقتصادي العالمي. وما مناوشات البرلمان الموريتاني عنا ببعيدة.

أما المؤسسة العسكرية فهي منشغلة بهمومها والمجهول... لما يترتب على حراسة الحدود المترامية الأطراف من مواقف محلية وإقليمية ودولية، لكن مع ذلك كله يشار إليها بالبنان على أنها ضالعة في المشهد السياسي.

وفي هذا السياق تتحرك موريتانيا بين أذرع أخطبوط.. ففي الشمال معضلة الصحراء الغربية طيلة ما يربو على ثلاثين سنة دون تسوية مما يجعل العلاقات مع الشقيقتين المغرب والجزائر دون المستوى المطلوب لتطلعات وآمال شعوب الاتحاد.. وفي الجنوب الجارة السنغال التي تشكل بعدا إفريقيا لا مناص من وجود علاقات طبيعية ومتوازنة معها؛ أما في الشرق فتشكل القاعدة في المغرب الإسلامي لجميع بلدان المنطقة، إضافة إلى فرنسا والولايات المتحدة، رهانا غير مسبوق؛ هذا إذا أدرجنا أجندة الطوارق الجديدة في تصعيد الحرب والانفصال عن جمهورية مالي مما تسبب في تشريد الآلاف على الحدود الشرقية.

أما الإعلام فكان المرتهن أو الحبيس لمواقف الأطراف في الأزمة أو لمن يدفع أكثر.. وكل يوجه الوسائط الرقمية حسب ما يخدم مصالحه ولو بطريقة مغلظة وخارجة عن المألوف أحيانا.. ومن كل حدث بسيط يخلقون إفكا عظيما. لا تستطيع السلطة العليا للسمعيات البصرية أن تضبطه بقوانينها، كما أن مواكبته للربيع العربي دون استئذان جعل منه فزاعة للأنظمة لا يحسدون عليها..

أما طموح الأقليات في الوصول إلى السلطة فأمر يندى له الجبين.. وتتعالى أصوات منادية بالتجنيس لبعض الأفارقة بعد أن نجحوا في إعادة الكثير منهم بدافع إنساني، وهذا ما ستكون له عواقب وخيمة على المستوى الديموغرافي للبلد مستقبلا، وآخرون يبشرون بمجلس وطني لقيادة البلاد لمرحلة انتقالية.. وكأن الأرض جفت ينابيعها.. وهنا توضع هوية المجتمع والدولة على المحك وهذا ما تسعى إليه بعض التيارات في الداخل ولها أسها في الخارج.

إن على جميع الأطراف أن يدركوا أن الإقصاء لأي طرف كان في ظل دولة ديمقراطية أمر غير وارد، وأن سيادة القانون خير سبيل لتوخي الحذر، وأن مسارا جديدا لاتفاق داكار"2" غير وارد في ظل غليان الربيع العربي؛ وببساطة لأن صاحب الدار"كا" قد هرم ويحتاج هو أيضا إلى من يوطد أركان حكمه أمام عواصف الشتاء الإفريقي.

وفي الأخير فإن بسط أشرع المصالحة الوطنية، كما حصل في جنوب إفريقيا والمغرب، لطي صفحة الماضي دون التنقيص من أحد، هو المجداف الوحيد للخروج من أتون الأزمة..
والوطن يسع الجميع وإلا فإن الشعوب تقول لنا: لن نبحر كما أجدادنا يبحرون..

محمد فاضل ولد الأدهم
المصدر : «العرب أولاين»