الصفحة الرئيسية > رأي > وحكومة من "كوبا"..

وحكومة من "كوبا"..

السبت 11 شباط (فبراير) 2012


بقلم : حبيب الله ولد أحمد

لا أحد يمانع في خطوة الرئيس المتعلقة باستجلاب أطباء من "كوبا"و "ايطاليا" و "تركيا" ، بل حتى من "الصومال" و "غامبيا" ، فهي خطوة مهمة فعلا لتوسيع الخدمات الصحية في البلاد، ومساعدة أطبائنا على القيام بمهمتهم، خاصة في المناطق الداخلية التي تتكالب عوامل عديدة لإفراغها منهم مثل "خواء" المستشفيات إلا من الجدران المطلية، وسوء الأوضاع المعيشية مع ضعف في الراتب، وبؤس مادي ومعنوي لا تخطئه العين، ومضاربات التحويل التي يراها بعض نافذي الوزارة مصدرا للدخل، حيث تحولت بعض المكاتب فى الوزارة إلى "بورصات" تجارية( لكل تحويل سعر يرتفع بارتفاع المحول والمحول إليه والمحول عنه).

ولا أعتقد أن لدى أطبائنا مشكلة، أو "عقدة نفسية" من زملائهم من الأجانب، فهم يتقاسمون معهم (أو يفترض أن يكون الأمر كذلك) المهنة والمعلومات والخبرات و"القسم المقدس"، وإن اختلفوا- أحيانا - مع بعضهم في حضور الوازع الوطني، والضمير المهني، والإيمان بنبل الرسالة، والظروف المادية والمعنوية واللوجستية المساعدة على القيام بالواجب على أكمل وجه(فكروا معي في أن المادة الدوائية المصنعة من القمح والحلوى ومسحوق الحليب أو الخشب والتي تدخل إلى البلاد وتخرج منها دون رقيب ليوزعها سماسرة الأدوية في ظل نظام ليبرالي همجي أرعن ربحي يكفر بروح الإنسان ويؤمن بجيبه فقط لا يمكن أبدا أن تترك المجال لخبرة طبيب أو "شطارة" أخصائي أو تورع عامل قطاع صحة ذلك أنها تدمر كل ذلك مع حياة المريض وثقة المجتمع في عمال قطاع الصحة عند تناولها وللمرة الأولى والتي غالبا ما تكون الأخيرة أيضا بالنسبة للمريض).

إذن هو قرار حكيم أن يملأ علينا الرئيس البلد بالأطباء القادمين من كل فج عميق، ليشهد المواطنون الموريتانيون منافع لهم، ويذكروا اسم الرئيس في المواسم الانتخابية القادمة...وسيكون رائعا أن يستجلب الرئيس مع الأطباء "الكوبيين" أدوية موثوقة المصادر،و ممرضين وقابلات وإداريين وأخصائيين، أو بعبارة واحدة أن يستجلب قطاع صحة متكامل الخدمات من الخارج، ومن الأكيد أن تجربة استجلاب أطباء وعمال صحة، ستقود- لاحقا- إلى استجلاب معلمين وأساتذة، وإداريين وولاة وحكاما، وبيطريين، وبرلمانيين، وصحفيين، ومهندسين، على أن يبلغ الاستجلاب ذروته باستيراد "شعب" جديد بعقليات جديدة، ورؤية جديدة للعلاقة بالدولة ككيان وطني يجب الإيمان به والدفاع عنه..!!

لا أحد يريد استجلاب رؤساء من الخارج، ففي ذلك ما فيه من الإقرار الفاحش بانعدام الثقة بين الرؤساء والمرؤوسين، وسيحاجج بعض الفقهاء- لو أثيرت هذه القضية- بأن "حفظ الموجود أولى من طلب المفقود"، وسيسارع الحزب الحاكم إلى القول "إن رئيسا تعرفه أفضل من رئيس لا يعرفك"...ولكن لا خلاف على أنه يمكننا المطالبة باستجلاب حكومة من الخارج، ونفضلها "طازجة " من "كوبا" لاعتبارات نجهلها،لكنها تبدو مقنعة على أية حال..!!

نعم نريد وزيرا أول من "كوبا" يعترف بأخطاء حكومته، ويعرف أن "المؤمن" قد يبتلى حتى بالاستقالة من منصب دنيوي زائل لا يصلح له...ووزير خارجية "كوبي" لا يدس أنفه في الصراعات الإقليمية، بل يبحث لها عن حلول عادلة، محتفظا بنفس المسافة من جميع أطرافها، خاصة وأن وضعية بلاده (وما يحاك لها من مؤامرات في السر والعلن) تقتضى منه دبلوماسية صناعة مزيد من الأصدقاء، وليس دبلوماسية البحث عن مزيد من الأعداء...نريد وزير داخلية "كوبي" صارم يحترم منصبه ومكانته حتى تحت قبة برلمان بلاده، ولا يشخصن الأمور السياسية، ولا يتعامل برؤية بدوية مع المشاكل الأمنية والإدارية العالقة في قطاعه، ولا يستخدم منصبه ل"إنبات" شحم سياسي أو اقتصادي لأطراف محلية على حساب بقية المكونات السياسية والاجتماعية للمشهد المحلي...والحق أننا بحاجة لوزير اتصال وعلاقات مع البرلمان، يحتفظ للمنصب بوقاره وهيبته، ولا يسيء التعامل لا مع البرلمانيين، ولا مع الصحفيين، فوجود علاقة قوية محترمة وبناءة بين الاتصال كقطاع، والبرلمان كهيئة دستورية، هو دوره ومبرر وجود قطاعه، وإلا لأطلق "الكوبيون" على وزارته اسم "وزارة انقطاع الاتصال وسوء العلاقات مع البرلمان"..!!

نريد وزير إسكان "كوبي" يبتعد عن "العنتريات" والديماغوجية في حديثه للعامة عن عمليات تخطيط الأحياء العشوائية في "هافانا"، ويعطيهم معلومات دقيقة وموثقة، لا تناقض ما يعيشونه يوميا من ظلم وإقصاء وتهميش وزبونية في التعامل مع وزارته ومصالحها الميدانية...نريد وزير صحة "كوبي" يوشح قدماء الممرضين والأطباء وعمال القطاع لقاء خدماتهم الميدانية، ولا يوشح عماله فقط مقابل ما يقومون به من أدوار دعائية ترقيعية انتخابية...ويؤمن بأن الحيطان المطلية الفارغة شكلا ومضمونا لا تكفى للحديث عن نهضة صحية مزعومة...!!

نعم نريد حكومة "كوبية" متكاملة تضم أيضا وزيرا للشؤون الدينية، ينظم الحج ويسهر على راحة الحجاج، ويعرف أين ذهبت أموال الأوقاف، ويدرك حاجة "الكوبيين" الحقيقية لمعهد عال للدراسات والبحوث الإسلامية، ولو تحت اسم كلية تابعة للجامعة الإسلامية المقامة حديثا في الشرق "الكوبي"...وبشكل قطعي نحن بحاجة لوزراء تعليم من "كوبا"، ولكن نريد وزيرا واحدا بلا "زوائد دودية" ينظم القطاع و يمركز عمله، ويعيد إليه مهابته بدل تحويله إلى "حقائب هدايا" انتخابية توزع على رجال أبلوا بلاء حسنا في تلميع صورة النظام "الكوبي"، لأن ذلك يفرغ قطاع التعليم من محتواه ويحوله إلى مجرد "حقيبة جائزة" للأكثر ولاء لا اقل ولا أكثر...نريد وزير عدل "كوبي" صريح وجريء، وقادر على تشخيص مشاكل قطاعه وحلها، بدلا من نشر الغسيل، وإذكاء النعرات بين القضاة والمحامين وعمال القطاع وموظفيه..!!

نريد وزراء "كوبيين" للنقل، والمالية، والنفط، والسياحة، والوظيفة العمومية، والشباب والرياضة، والدفاع، والتنمية الريفية، والتشغيل، وحقوق الإنسان، والمرأة والطفولة، والمعادن... نريد وزراء "كوبيين" يحلون مشاكل طلبتهم في الخارج، خاصة في المغرب والجزائر وليبيا وفرنسا، ويتحركون لإطلاق سراح "الكوبيين" (الاثنين) المعتقلين في "اغوانتانامو" والإفراج عن الدر كي المختطف نهارا جهارا عبر الحدود الشرقية ل"كوبا" من طرف "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ...جملة وتفصيلا نريد حكومة "كوبية" تساعدنا على تجاوز الأزمات التي تعصف ببلادنا، ونحن مستعدون لإعارة حكومتنا الحالية للشعب "الكوبي" لتصريف الأعمال مدة غياب حكومته، والى حين انتهاء "مأموريتها" في بلادنا...قد يقول "الكوبيون" (بل سيقولونها حتما) إنه "البدل الأعور"، لكنهم -بطبيعتهم الثورية - سيكونون سعداء لان حكومتهم أنقذت بلدا ناميا ونائيا من أزمات صاعقة عجزت حكوماته الأصلية مجتمعة حتى عن التفكير في حلها وتجاوزها...وعهدا ل"الكوبيين" الطيبين أن نعيد إليهم حكومتهم بمجرد انتهاء مأموريتها فساعتها ستكون حكومتنا "المعارة" لهم قد أكلت "أخضرهم" و "يابسهم" وعلمتهم الكذب والدعاية الرخيصة، وعبادة الفرد، ونهب الثروات، والتفريط فى البلاد وأمنها ووحدة شعبها، ونشرت بينهم قيم القبلية والعنصرية والانتهازية، وسلبتهم أغلى ما يملكون وهو الاشتراكية والإيمان الأزلي بالإنسان الحر باعتباره وسيلة الثورة وهدفها، ومحرك التغيير ووقوده..ساعتها - يقينا- سيكون "الكوبيون" بحاجة لحكومتهم لكي تعيد لهم - ولو في قرون طويلة قادمة- بناء نصف ما دمرته حكومتنا "المعارة" في سنوات معدودة..!!

حبيب الله ولد أحمد