الصفحة الرئيسية > رأي > المسلم والإسلام

المسلم والإسلام

الجمعة 3 شباط (فبراير) 2012


بقلم : د. مراد الصوادقي

المشكلة ليست في الإسلام وإنما في المسلم الذي يجهل الإسلام. وكل مَن يجهل الإسلام يشوّهه بقوله وفعله. وأكثر المحرّفين للإسلام الذين يدّعونه ويتقنعون به، وهم في غيهم وضلالهم يعمهون وما هم إلا يظنون.

تلك حقيقة ما يواجه الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء الأرض. فالعيب ليس في الإسلام، وإنما في هؤلاء العاملين على تمثيله بأقبح الصور والأعمال المنافية لمعانيه وجواهر قيمه وتعاليمه الإنسانية الرحيمة النبيلة السامية. والذين اجتهدوا في التعبير عن أسباب التشويش والانطواء والعزلة ونكران قدرات التواصل الاجتماعي الإسلامي البنّاء. وما يجري في مجتمعات عديدة سببه هؤلاء الذين يتظاهرون بمعرفة الإسلام، وهم من أشد الجاهلين به والمعبرين عن عدوانيتهم عليه، لكنهم يدعونه ويتمنطقون بألفاظه ويتوهمونه.

ومن أهم الأسباب التي ساهمت في تشويه الفهم وتحديد معالم الرؤية هي العمائم المسيّسة المدجنة المدّعية بالدين، والتي تتكلم بلسان البغضاء وتحسب ما تأتي به وعظا نافعا للناس، وما هو إلا تعبيرات عن نوازع النفس الأمارة بالعجائب والغرائب، الفاعلة في أعماقهم الدونية التي تم توظيفها لمقاتلة الدين بالدين ذاته.

ولهذا فإن المسلم عليه أن يكون حريصا على الفهم الصحيح والموضوعي لدينه، وأن لا يميل نحو هذا الانحراف أو ذاك، وأن يتمسك بكتابه ويتنوّر بمعاني كلمات آياته ودلالاتها الإنسانية الراقية.

فالإسلام كمنطوق فكري حضاري إنساني مؤثر في بناء الحياة البشرية الأفضل، هو الموجود على الرفوف والمعتق في أمهات الكتب العربية الإسلامية في مكتبات التراث الإسلامي الكبرى، أما ما يجري في بلاد المسلمين وفوق التراب كفعل معبر عن الدين ومترجم لزبدة أفكاره وجواهر معانيه، فهذا غير موجود كما يجب، فالقائم في الحياة مفاهيم تدّعي الإسلام، وفتاوى تنتحل الدين الإسلامي انتحالا، وهناك مراءاة بالدين وليس العمل بالدين.

والمسلم وخصوصا العربي صار يبتعد عن الإسلام بعمله وأفعاله اليومية، لأن الإسلام كفعل اجتماعي يومي لم يعد كفيلا بتحقيق الرغبات وسدّ الحاجات، وإنما الادّعاء به واتخاذه قناعا هو الذي يحقق ربحا وفائدة أكبر. ذلك أن الكذب قد ساد، وعمّ النفاق، والحرام أصبح حلالا والفساد عقيدةً، وكل ما يناقض ويقاطع قيم ومبادئ وأخلاق الإسلام صار هو الفاعل، والإسلام مفعول به منصوب وعلامة نصبه الأمية القرآنية، ومجرور وعلامة جره جهل المسلمين بالإسلام.

تلك هي المحنة التي يمر بها الإسلام، ويحمل لواءها المسلمون أنفسهم ويعبرون عنها بسذاجة ووسائل متعارضة مع أبجديات الدين ومعانية وتطلعاته السامية.

ومن غير الممكن الشفاء من هذا الانحراف، دون استحضار القدرات المعرفية ورفع رايات اقرأ التي دوّت لثلاث مرات في غار حراء، وهي تريد إعمال العقل وإطلاق الأفكار الفاضلة في مسيرة الأجيال التي تتخذ الإسلام دينا، لتنير بدورها وتفاعلاتها الإنسانية مسيرات الأجيال في أوطان الأرض كافة، كما فعل المسلمون المتنورون بالوعي والإدراك الحضاري، في إسبانيا على مدى ثمانية قرون متوهجة بالعلم والمعارف الإسلامية الحية المتوقدة في أعماق العقول والنفوس، فأضاؤوا منابر الإنسانية في غرب الأرض ومشارقها.

فاعرف اللغة العربية أيها المسلم العربي، لكي تتفاعل مع الآيات القرآنية بتفهم إسلامي صحيح وتمتلك قدرات الإنارة الحضارية الرائعة الكامنة في أمهات جواهر الأفكار القرآنية.

فالعودة إلى اللغة العربية والقرآن من أهم أركان يقظة العربي المسلم وإسترجاعه لدوره الحضاري الوهّاج في الأرض. أما أن يبقى رهينة لهذه العمامة أو تلك فلا يمكنه أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، ولا يستطيع أن يكون أحسن مما هو عليه الآن، وعليه أن يختار ويرسم مصيره، ولن تتغير الأحوال إذا لم تتغير النفوس وتتفتح العقول وتنسجم مع إرادة الله في خلقه أجمعين، قال الله تعالى "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

تلك حقيقة ما نعيشه ونعانيه، ولا بد لنا من مواجهة أنفسنا بشجاعة وتبصر وأمانة وصدق ومسؤولية، لكي نكون ونستعيد دورنا الحضاري المشرق الأصيل، فنرتشف من كأس الوحدانية نور التجلي والإيمان والإشراق الإنساني الساطع.

د. مراد الصوادقي