الصفحة الرئيسية > رأي > مالي والجار قبل الدار

مالي والجار قبل الدار

الجمعة 27 كانون الثاني (يناير) 2012


بقلم سيدي ولد أمجاد

يطرح الوضع المتفجر حاليا في جارتنا القريبة مالي العديد من الأسئلة المقلقة في الحاضر والمستقبل، بعد نشوب معارك طاحنة بين الجبهة الوطنية لتحرير أزواد وحكومة الجنرال آمادو تومانى تورى.

إن كرة النار الملتهبة تتدحرج في كل الاتجاهات بالمنطقة حاملة معها نذر مخاطر كبيرة على الأمن والاستقرار والتنمية في دول الميدان ومنطقة الساحل بصفة عامة.

صحيح أن جذور الصراع التاريخي بين الطوارق أو عرب مالي وحكومات هذا البلد الجار قديمة ومستفحلة وهي حصاد مر من تراكم عوامل عديدة وسلبية زادت من تفاقم الوضع ،وأصبحت اليوم تضع الأمن الاستيراتيجي في منطقة الصحراء على كف عفريت،وهي المنطقة الحبلى بالأزمات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، في ظرفية عربية ساخنة ومناخ دولي متأزم.

إن على صانعي القرار في موريتانيا أن يتأملوا جيدا في هذه التطورات الجديدة من حولنا ،وأن يتفهموا الأسباب الموضوعية في تلاحقها وتأثيراتها المحتملة على أكثر من صعيد،فعندما تشتعل الغابة الكبيرة وراء الحدود قد تضيق كثيرا دائرة الفرص الممكنة لتجنب الحريق الهائل خصوصا وأنه كلما زاد حطبها زاد لهبها.

إن ما يربطنا بعرب مالي والنيجر وبالإخوة الطوارق خصيصا من أواصر تاريخية عميقة نسجتها خيوط الدم والدين والثقافة والجغرافيا ،يهيئ تماما الأرضية المناسبة في كل حين كي تقوم بلادنا بدورها الدبلوماسي الرائد في احتواء كل الأزمات بين الإخوة الأشقاء على حدودها مهما كانت الظروف والتحديات وبنظرة استيراتيجية ومستقبلية ثاقبة لخريطة الواقع وتداعيات الحراك الموجود على الأرض.

إن احتضان نواكشوط اليوم لوزراء خارجية دول الميدان (الجزائر-موريتانيا-مالي –النيجر) حول الأمن ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل،ينبغي أن يكون بداية حقيقية لهذه الدبلوماسية الإقليمية الملحة الآن ،بالتوازي أيضا مع رؤية مستنيرة لمقاربة العلاقة الخاصة مع الجارة الشقيقة مالي ،والتي تتميز عن غيرها من دول الجوار بوضعية خاصة علينا أن نحسن قراءة أبعادها باستخدام كل الآليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية قبل أن يطفح علينا الكيل ونجد أنفسنا في وضعية قد لا يحسدنا عليها أحد.

إذا كان يحلو للبعض أن يتحدث عن ثوابت التاريخ المشترك بين الشعوب ،فإن الجغرافيا بدون شك هي التي تؤسس في الواقع لثوابتها الحقيقية الراسية كالجبال ،خصوصا إذا تعلق الأمر بدول الجوار القريبة،والتي نتبادل معها المرعى والتجارة ومنافع أخرى للناس.

لقد أهملنا كثيرا علاقتنا الاستيراتيجية بالطوارق وبعرب منطقة أزواد ،ذلك الفضاء الاجتماعي المفتوح والممتد على صحراء واسعة تحتضن كنوزا اقتصادية واعدة في المستقبل،وفي غفلة تاريخية غير مبررة تركنا الأحداث السائبة تجري من حوالينا دون أن يكون لنا دور مهما كان حجمه في صياغة هذا المشهد الدوار.

في تصوري الآن أن ما يجري في شمال الجارة مالي يجب أن تساعد موريتانيا في تهدئته والوصول إلى حلول سلمية له مهما كانت التكاليف،رغم أنه في جوانبه السياسية يتعلق بتطلعات مجموعة بشرية كبيرة في بناء دولة مستقلة بعد أن سجلت في مناطقها المعزولة أعلى درجات الفقر والتهميش وغياب المشاريع التنموية.

لقد أصبحنا اليوم في محيط من الأزمات المتفجرة على حدودنا،وإذا كانت مشكلة البوليزاريو والمغرب ما زالت تراوح مكانها دون حل،فإنها على الأقل الآن بلا نيران في المعركة،لكن الجبهة المشتعلة حاليا في شمال مالي بالإضافة إلى المواجهة المفتوحة مع تنظيم القاعدة هناك تفرض على أولي الحكمة وبعد النظر في بلادنا أن لا يستهينوا بخطورة هذه الأوضاع المتحركة كالرمال مع سرعة الريح.

لابد أن تلعب موريتانيا دبلوماسيا على الأقل دور الوسطاء بين الجبهة الوطنية لتحرير أزواد والحكومة المالية في هذه المرحلة الأولى من تجدد الصراع،حتى تضع الحرب أوزارها بين الفرقاء ويجنح الجميع إلى "حوار وطني" ليست نواكشوط سوى المكان المناسب لاحتضانه اليوم.

إن أخشى ما يجب أن تخشاه موريتانيا ودول الميدان وربما المجتمع الدولي الذي يهمه الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، هو أن تتفك جمهورية مالي في السنوات القليلة القادمة،وهي التي تجلس الآن على فوهة بركان من الإرهاب والجريمة المنظمة في شمالها،ا زيادة على الحرب التي اشتعل أوارها قبل أيام مع الجبهة الوطنية لتحرير أزواد،فهل ستبقى موريتانيا متفرجة على الأحداث من حولها بدعوى"الحياد الإيجابي" الذي ليس هو في نهاية المطاف إلا حياد سلبي ،نرجو أن لا يقول أصحابه في يوم من الأيام"لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض".

إن المعالجة الأمنية والتصعيد العسكري لن يحسما خطورة الظاهرة المتفجرة اليوم في شمال مالي ومنطقة الساحل،وعلينا أن نعول على كثير من الحكمة والتبصر وبسط اليد في مشاريع تنموية وثقافية وتعليمية تسد الفجوة العميقة بين سكان هذا الشريط الصحراوي الملتهب،وأن لا نكتفي بمشاهدة عملية لي الأذرع بين أطراف النزاع،ولقد أعجبتني كثيرا مقولة الرئيس المالي آمادو تورى في تعليقه على الحرب مع ثوار أزواد"إن الرد على الأحداث الجارية في شمال مالي سيكون بالتنمية".

نعم بالتنمية وحدها يحيى الإنسان ،وهي الضمان الوحيد لدرء الخوف وتحقيق السلم والاجتماعي،وثنائية الاستثمار والاستقرار هي مفتاح الأمان نحو مستقبل أفضل لكل شعوب دول الساحل"فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".

وأعتقد أن الجزائر وهي دولة فاعلة في المنطقة قد أدركت إلى حد كبير أهمية المراهنة على هذا الجانب التنموي ،في امتصاص التوتر المتزايد في شمال مالي ،فبادرت قبل شهور إلى تقديم مساعدة قدرها عشرة ملايين دولار إلى حكومة آمادو توري لتنفيذ مشاريع اقتصادية في تلك المناطق المعزولة،والتي جعل منها الفقر بؤرة مشتعلة لكل الأزمات في المنطقة.

لقد بات من الضروري تعاون الجميع على مساعدة جمهورية مالي الشقيقة حكومة وشعبا ،على تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها الآن،لأن لكل دول الميدان قد تكتوي بنيرانها،وموريتانيا باعتبارها الأقرب بكل المقاييس إلى مالي ،عليها أن تدرك ذلك أكثر من غيرها قبل أن نجد أنفسنا في الأيام المقبلة ملزمين باستقبال آلاف اللاجئين الهاربين من جحيم حرب على حدود الحوض الشرقي، كما وقع في تاريخنا القريب،وتلك أبسط آثار الحريق إذا شب عند الجيران، وقديما قيل الجار قبل الدار.

سيدي ولد أمجاد

emjad1968@yahoo.fr