الصفحة الرئيسية > رأي > الإسلاميون قادمون؟

الإسلاميون قادمون؟

الخميس 12 كانون الثاني (يناير) 2012


بقلم البشير ولد عبد الرزاق

وكأن قدر هذه الشعوب، أنه كلما أينعت ثمار ربيعها، وحان قطافها، قال الإسلاميون: "نحن لها".
من تونس إلى مصر، مرورا بالمغرب، خرج "الربيع العربي"، من صناديق الاقتراع، بخطى متثاقلة، وهو يرتدي "جلبابا إسلاميا"، أقسم الكثيرون، أنه ليس على مقاسه.

قال الليبراليون واليساريون والقوميون وغيرهم: "إن الناخبين لفي ضلال مبين"، لكن ذلك كان يوما، لا ينفع فيه، قول ولا ندم.

رحلت مواسم الخوف، الطويلة والمضجرة، وتنفس الإسلاميون الصعداء، كما لم يتنفسوه من قبل، بعدما أبدلهم، ربيع الثورات العربية، من بعد خوفهم، أمنا.

يقول الذين أوتوا، من علم السياسة نصيبا، إن من صنعوا، "ربيع صناديق الاقتراع"، في تونس والمغرب ومصر، هم "إسلاميون جدد"، تفننوا في كسب قلوب، من في الداخل، وعرفوا كيف يخاطبون عقول، من في الخارج:
"إنما نحن مصلحون"، كانت الكلمات كافية، لدغدغة أحلام الملايين، الذين خرجوا من بيوتهم، إلى الساحات والميادين، ابتغاء "مصلح"، يكنس تلك الزبالة، التي تراكمت، في أوطانهم، عبر السنين، والتي اصطلح على تسميتها، مجازا، ب"الأنظمة السياسية".

وفي طريقهم نحو السلطة، لم يبخل الإسلاميون الجدد، على الغرب، ب"رسائل الطمأنة"، فاستبدلوا "الدولة الإسلامية"، التي طالما بشروا بها شعوبهم ، ب"الدولة المدنية"، والتي لا تعدو كونها، صورة طبق الأصل، من "الدولة العلمانية"، مع بعض المحسنات اللفظية.

كما أسقطوا، النموذج الإيراني، المشاكس، وأحلوا مكانه، النموذج التركي، الموغل في الاعتدال و البراغماتية.
لم تقف "رسائل الطمأنة" ، عند هذا الحد، بل وعد الإسلاميون الجدد، الغرب، بأنهم لن يستحوذوا على السلطة، ولن يديروا شؤون البلاد لوحدهم، فكانوا عند وعدهم.

أبدع الغنوشي ورفاقه، في تقسيم الكعكة التونسية: رئيس جمهورية (يساري)، ورئيس برلمان (ليبرالي)، ورئيس وزراء (إسلامي)، قد تصاب بالصداع، لكن القاعدة الذهبية، لدى الإسلاميين الجدد، تقول: "إن التناغم يولد من رحم التنافر".
لم يعد السؤال، الذي يطرح نفسه اليوم، هو: "كيف وصل الإسلاميون، إلى ما وصلوا إليه؟"، بل إن كل المؤشرات، تستدعي الانتقال، إلى سؤال آخر، بات أكثر إلحاحا، وهو: "إلى أين سيصل الإسلاميون؟".

هذا السؤال، سيلقي بظلاله، على المشهد السياسي الوطني، خلال الأشهر القليلة القادمة، فلموريتانيا إسلاميوها، ولموريتانيا مواعيدها الانتخابية، ولموريتانيا أوجاعها المزمنة، وهي شروط ضمن أخرى، أنتجت "الربيع الإسلامي"، في تونس والمغرب ومصر، فهل تعيد صناعته، في موريتانيا؟

الإجابة على هذا السؤال، تحتمل السهل والممتنع، أما السهل، فهو أن نقول، إن موريتانيا، التي كانت عصية على "الربيع العربي"، ستكون منيعة، على "الربيع الإسلامي"، ثم نضع نقطة عند نهاية السطر، ونذهب وننام، وينتهي الأمر.

وأما الممتنع، فهو أن نجتهد في تفكيك، رموز الرسائل الكثيرة، التي وصلت من تلك الأمصار، ونبحث بين طياتها، عن أوجه الشبه والاختلاف، مع الحالة الموريتانية، سبيلا إلى استقراء مستقبل ، بات أقرب إلينا، من حبل الوريد.

صحيح أن موريتانيا، ليست تونس وليست مصر، لكن الصحيح أيضا، أن الحالة الموريتانية، تتقاطع مع الحالة المغربية، في أكثر من مكان وزمان.

قطعا لا يمكن المقارنة، بين زخم، "حركة ال20 من فبراير" المغربية، وقرينتها الموريتانية، "حركة ال25 من فبراير"، لكن العامل المشترك، بين كلتا الحركتين، هو أنهما، حتى وإن لم تبلغا "الربيع"، إلا أنهما، عادتا "بباقة ورد"، تمثلت في جملة إصلاحات سياسية.

وإذا علمنا، أن تلك الإصلاحات، هي ذاتها، التي جرت عربة "بنكيران" ورفاقه، إلى "قصر صاحب الجلالة"، تصبح كل التساؤلات، حول حظوظ الإسلاميين الموريتانيين، في الاستحقاقات القادمة، مشروعة جدا، بل وملحة للغاية.
ثم إن الطريقة، التي تعامل بها، إسلاميو موريتانيا، مع الأحداث المتسارعة، من حولهم، تكشف عن إصرار، منقطع النظير، على اقتناص اللحظة التاريخية الفارقة، والعض عليها بالنواجذ.

فمع التباشير الأولى "للربيع العربي"، تملص الإسلاميون من النظام، فانهوا بذلك هدنة، غير معلنة، كادت تنتهي، بتحالف سياسي قوي، بين الجانبين ، لولا أن الأخير، كان مولعا وقتها، بصناعة الأعداء، بدل استقطاب الأصدقاء.

وأما ما قاله الإسلاميون ، ذات يوم خريفي، من تموز يوليو، من أنهم، لم يشموا للتزوير رائحة، وما شهد به، شاهد منهم، بأن "الرجل"، هو الرئيس المنتخب ديمقراطيا، فتلك كانت، مجرد زلة لسان، بل إن البعض، يلتمس لهم العذر، فيقول: "إن القوم، ربما كانوا وقتها، مصابين بالزكام".

فتش الإسلاميون، في متونهم، عن لقب جديد يخلعونه على "ساكن القصر الرمادي"، بعدما خلعوه من تفكيرهم، فلم يجدوا، ما هو أنسب من لقب "الفرعون"، ربما، تيمنا بفرعون آخر، أفل نجمه، ذات ليلة باردة، من شباط "فبراير"، في أرض الكنانة.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل آثر الإسلاميون، أن يكونوا، ضمن الثلاثة الكبار، المخلفين عن الحوار. واستبدلوا لغة "المشترك" الناعمة جدا، بأخرى خشنة للغاية، تحث الشباب، على النزول إلى الشوارع تارة، وتدعو النظام، للرحيل تارة أخرى.

وفوق هذا وذاك، تجشم الإسلاميون، عناء السفر، إلى تونس والمغرب، لتهنئة إخوانهم.
جرت اجتماعات وأبرمت اتفاقات، وقطعا من الصعب، توقع ما دار خلف تلك الأبواب الموصدة، لكن المؤكد، هو أن العنوان العريض، لذلك الحراك، كان: "أنتم السابقون ونحن اللاحقون".

مخطئ من يظن، أن الإسلاميين، قد يقاطعون، الاستحقاقات القادمة، إن هي استوفت، كل الشروط، الواردة في وثيقة الحوار.
بل إن لعبة المشاكسة، وشد ربطة عنق النظام، التي تحولت مؤخرا، إلى رياضة وطنية، لدى الإسلاميين، ما هي إلا مناورة، هدفها الضغط على السلطات، حتى تمضي قدما، في تنفيذ تلك الإصلاحات.
وعندها سيصبح الجسر جاهزا، ولن يكون على إسلاميي موريتانيا، سوى العبور، إلى الضفة الأخرى، تماما، كما عبر الذين من قبلهم.

فالربيع، لا يزهر فقط، في الأزقة و الشوارع والساحات والميادين، بل قد يخرج طلقا، من صناديق الاقتراع، ذاك هو الدرس المغربي، الذي لم يفهمه الكثيرون، على بساطته.

قد يقول قائل، إن الإسلاميين، لا يمتلكون من الزخم، ما يخولهم تحقيق مفاجأة، من العيار الثقيل، في المواعيد الانتخابية القادمة. وحتى لو افترضنا جدلا، أن هذا الاستنتاج صحيح، فإن ذلك، لا يلغي قدرة الإسلاميين، على إنتاج، "نصف ربيع"، والظفر بزعامة المعارضة. لن تكون تلك بدعة موريتانية، فباستثناء حركة النهضة، التي كانت محظورة، في تونس، مر الإسلاميون في المغرب ومصر، بذات المحطة، في طريقهم، نحو السلطة. بل إن هذه الوضعية، ستمنح الإسلاميين، موقعا مريحا، على الخريطة السياسية الوطنية، في انتظار سنوات قادمة، تؤكد كل المعطيات، أنها ستكون حبلى، بالأحداث والمفاجآت.

وأما ما يثير الدهشة والاستغراب، فهو موقف الأحزاب السياسية الأخرى، والتي بدت منهمكة، في معاركها الجانبية الخاسرة، ولم تعر اهتماما، لرسائل الخضراء والرباط والقاهرة. وكأنها لا تخشى عاقبة يوم، تنطق فيه صناديق الاقتراع، في هذا البلد، بذات اللسان، الذي نطقت به، في تونس والمغرب ومصر: "ألا سحقا للساسة التقليديين وأزمانهم".
عندها، لن يجد هؤلاء الساسة، من طريقة يندبون بها، حظهم العاثر، إلا أن يقولوا، كما قال الذين من قبلهم: "إن الناخبين لفي ضلال مبين". لكن ذلك، سيكون يوما، لا ينفع فيه، قول ولا ندم.

البشير ولد عبد الرزاق