الصفحة الرئيسية > رأي > موريتانيا .. أزمة مجتمع

موريتانيا .. أزمة مجتمع

السبت 31 كانون الأول (ديسمبر) 2011


بقلم الأستاذ محمد الحنشي ولد أحمد

نعم لا يكفي كونك موريتاني , لكن كيف؟ من أي منطقة أنت؟ ماهي قبيلتك؟ ماهو عرقك؟ أسئلة وإن كانت تطرح عليك أحيانا وبصورة ناعمة فإنها في الغالب هي كلمة المرور الخاصة بك في سلم المجتمع الموريتاني , هكذا إذن يتم تصنيفك شعوريا أو لا شعوريا تبعا لقواعد مشوهة ومريضة بعيدة عن التصور المنطقي والعقلاني. بالتأكيد يوجد تنوع عرقي هام في موريتانيا من عرب وزنوج يشكلون ككتلة واحدة مزيجا من الثراء لا حصر له ويصعب تجاهله , بالتأكيد أيضا وفي المقابل يظل هذا الثراء مهددا بالإنحدار نحو الهاوية نتيجة التنافر العرقي المتنامي الذي يهدد التلاحم والوحدة الوطنية في الصميم.

ربما أن المشكلة لدينا هي في النظرة العامية الساذجة للأشياء التي دائما ما تحمل تفسيرات خاطئة وبعيدة عن الواقع , نحن نألف الأحكام المسبقة , نلاحق كلما هو مخالف لما نريد أو نعتقد , نقدس عادات بالية وهمية لا طائل من ورائها , نفر من حقيقة الخلل الإجتماعي وحتمية التواصل والحوار والنقد , نهتم أكثر باللون واللسان أي بالشكل لا بالمضمون , بالتالي نوفر المجال الخصب لتنامي الصراعات والحساسيات داخل المجتمع الواحد بمختلف أطيافه حينها تتجسد الكراهية والعنصرية بجلاء حتى وإن ظلت صامتة فهي موجودة بوضوح في الحياة اليومية ويستحيل إنكارها بغض النظر عن من يتضرر أكثر من الآخر فالجميع يتأثر بهذه التعقيدات الإجتماعية ويساهم في الأعباء الأخلاقية والنفسية والإجتماعية.

صحيح لقد صارت حالة الجفاء العرقي حقيقة ومسلمة بديهية تنهك المجتمع بأسره وتشكل تحديا جوهريا في وجه تماسكه , حيث بالكاد تحتاج إلى جهد لرصد تجليات هذا الطلاق الإجتماعي ذلك أن الجميع يساهم من خلال حشد موارده المادية والمعنوية سوية لخدمة القبيلة والجهة أحيانا كثيرة أو لخدمة العرق مرارا وعلى الدوام. إنه ليس من المبالغة القول بأن المجتمع الموريتاني يتجه حاليا صوب كارثة إجتماعية حتمية بشكل أو بآخر ستفرز تبعات وخيمة ستعيد رسم ملامح طريقة وأسلوب الحياة في كل بيت , الأمر الذي سيشكل مهمة صعبة تتطلب سيطرة كبيرة وغير مسبوقة على مجمل التصرفات والعلاقات الإجتماعية وبالخصوص على النظرة السلبية للآخر وبصريح العبارة السيطرة على الذات
حيث تتغلغل حسابات اللون واللغة والجنس.

في الإتجاه المعاكس الخبر الجيد يتجلى في التسامح والتآخي المنبثق من تعاليم ديننا الإسلامي , إنه يجعلنا أكثر قربا من بعض ويطلق العنان للتواصل العميق وهو يشكل أيضا نظام إنذار مبكر في وجه الصدام الإجتماعي والتقوقع على الذات. بالتأكيد الصراع الإجتماعي ليس صنيعة موريتانية بل هو موجود ويسكن جل المجتمعات البشرية على مر الزمن وبوتيرة متفاوتة رغم أننا نتجاهله أحيانا , كلا ليس وحده الديكتاتور السبب في الصراع المجتمعي والطبقي في كل مكان وزمان بل وبطريقة أكثر دقة تتشعب أسباب التفكك والتآكل في بنية المجتمعات بأسرها , فهناك تقف الثروة والإنفصال ومشاكل الأقليات والصراعات الدولية حجرة عثرة في طريق السلم الإجتماعي.

على العموم يحتاج البشر دوما إلى تهذيب سلوكياتهم والسير في هذا الدرب لإستكشاف عوالم من المثالية والكمال بالأخص في ظل الديمقراطيات المراهقة كما هو الحال بالنسبة لنا في موريتانيا , ولذلك لا تنعدم المشاكل الإجتماعية ولكن يتم تذليلها بصورة تدريجية , لأن حوامل الهوية الواحدة يربطهم الدين وتجمعهم ثقافة مشتركة متعددة الأبعاد. وتبقى حقيقة الأزمة الإجتماعية الموريتانية الحرجة أمام حقيقة موازية تتسم بالإنصهار والتقارب , في حين أن حقيقة الترويض الشرس للفكر والجسد , حقيقة تعد أكثر ملائمة للواقع حيث تتراجع حقائق بشعة وتحل أخرى أكثر عدالة فاسحة المجال لحقيقة إنسانية واحدة حقيقة التضامن الإجتماعي , حقيقة تحق الحق بإحقاق.

الأستاذ محمد الحنشي ولد أحمد