الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > موريتانيا وخطر الانقسام

موريتانيا وخطر الانقسام

السبت 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021


تحذر أطراف فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي الموريتاني من خطر الانقسام لهذا البلد العربي والإفريقي المترامي من حيث المساحة والذي يكاد يكون مقفراً من السكان رغم تنوع الأعراق التي تعيش على أرضه. وتخشى هذه الأطراف من أن يؤدي التمييز العنصري والإهمال الاجتماعي لعدد من الفئات والشرائح، إضافة إلى تأثيرات المحيط الإقليمي المضطرب في شكل لافت، إلى ما لا يحمد عقباه.

أصحاب البشرة الداكنة من الأفارقة الموريتانيين، يطالب بعضهم، وعلى سبيل المثال، بالفدرالية، فيما يطالب البعض الآخر بالانفصال، بخاصة أن مظاهر العبودية التي يمارسها العرق الحساني المغاربي على الحراطين ما زالت بادية للعيان رغم الإعلان منذ سنوات على إلغاء العبودية في بلد المليون شاعر. كما أن كثيراً من سكان الشمال، الذين يشتركون مع الصحراويين من ساكنة الصحراء الغربية في العرق، متعاطفون مع "البوليساريو" ولديهم انتقادات لسياسة الحياد التي تنتهجها نواكشوط في قضية الصحراء، ولديهم رغبة جامحة في التخندق ضد المغرب، وهو ما يهدد وحدة القرار السياسي للدولة الموريتانية في واحدة من أهم قضايا المنطقة.

ويرى البعض أن موريتانيا يمكن أن تكون هدفاً لمشروع الربيع العربي، شأنها شأن تونس وليبيا وربما الجزائر، باعتبار أن هذا المشروع الفوضوي في نظر البعض، والضروري للبناء الديموقراطي في نظر البعض الآخر، وضع ليستهدف الأنظمة غير الملكية في العالم العربي. فيما يرى البعض الآخر أن حاجة الولايات المتحدة لنواكشوط عسكرياً في منطقتي الساحل والصحراء والمحيط الأطلسي يجعلها بمنأى عن المشاريع الفوضوية التي تستهدف المنطقة.

ولعل انفجار الأوضاع في مالي وفي الصحراء الغربية المجاورتين لموريتانيا، يجعل من استهداف استقرار بلد المليون شاعر من أي طرف دولي، ضرباً من ضروب المغامرة غير محسوبة العواقب التي قد تؤدي إلى انهيار البلد من جهة، والإضرار بمصالح هذا الطرف الدولي في المنطقة من جهة أخرى. وبالتالي من المستبعد أن يفكر أصحاب مشروع الربيع العربي وراء المحيط في استهداف موريتانيا بالفوضى والتقسيم في الوقت الراهن وتفجير المنطقة التي تبدو بحاجة إلى الهدوء والسكينة.

ومن بين من يصرون على أن موريتانيا مقبلة على مرحلة صعبة وأن المجتمع بصدد التفكك، رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير الذي اعتبر أن الحل لتجاوز هذا السيناريو المتوقع هو إجراء حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع ويتم التطرق فيه إلى كل المواضيع من دون استثناء ولا محاذير وضوابط. وما عدا ذلك يرى رئيس البرلمان السابق أن موريتانيا ستنتهي كدولة وستنفجر من الداخل قبل أن يستهدفها الخارج، وهو الأمر الذي صرح ولد بلخير أنه أبلغ به رئيس الجمهورية ولد الغزواني.
ويبدو أن ولد بلخير متأثر في طرحه بالتجربة السياسية التونسية في الإفلات من الحروب الأهلية والمشاريع التقسيمية من خلال الجنوح إلى الحوار الوطني الذي لا يضم فقط السياسيين بل منظمات المجتمع المدني والشخصيات الفاعلة في البلد من مختلف المكونات. كما يتم هذا الحوار برعاية محلية لا مجال فيها لأي تدخل خارجي حفظاً للسيادة الوطنية التي قد يستهدفها الرعاة الأجانب على غرار ما حصل في عديد البلدان التي عاشت أحداثاً مشابهة وفتحت الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية فلم تجن سوى الخيبات.

والحقيقة أن أي مجتمع لا تعطى فيه مختلف المكونات والفئات المهمشة حقوقها كاملة، فإن مصيره الانفجار من الداخل حتى وإن لم تتسلط عليه مؤامرات خارجية. وتبدو موريتانيا اليوم في وضعية تحتم على أصحاب القرار فيها اتخاذ إجراءات ثورية وضرورية لإنقاذ البلد من التفكك حتى وإن تضررت مصالح بعض الفئات المتنفذة من هذه الاصلاحات.
فهناك فئات اجتماعية عديدة وصل وضعها إلى الحد الذي لا يطاق من الناحية الإجتماعية، وزادت جائحة كورونا الطين بلة وأدت إلى نقمة هذه الفئات على الدولة التي لا يشعرون في رحابها بالمواطنة على غرار فئات من أبناء جلدتهم. فشعور الفئات المنبوذة بالمساواة مع باقي فئات المجتمع، ونيلها حقوقها الاقتصادية التي تؤدي إلى تحسين الأوضاع المعيشية، سيؤدي إلى سحب البساط من تحت أرجل المتربصين بالبلد سواء في الداخل أو في الخارج إن وجدوا.

لكن يبدو أن ولد بلخير وآخرين يغردون خارج السرب في موريتانيا لأن الغالبية العظمى من أنصار الرئيس الغزواني لا يؤيدون فكرة القيام باصلاحات جادة وحقيقية، ويعتبرون ولد بلخير متشائماً إلى حد المبالغة. والحقيقة أن أغلب هؤلاء هم من أصحاب النفوذ وممن ستتضرر مصالحهم من مثل هكذا إصلاحات، وأمثال هؤلاء هم في العادة من يتسببون في ذهاب الرؤساء إلى حتفهم وإلى نهايات مأسوية كان في الإمكان تلافيها لو تم الإستماع إلى صوت العقل والحكمة في سياسة شؤون الرعية.

إن منطقتي المغرب العربي والساحل والصحراء بحاجة إلى موريتانيا مستقرة وهادئة ومزدهرة، في ظل هذه الأزمات المتتالية التي تعرفها المنطقتان في بلدان مثل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصحراء الغربية وتشاد ومالي وغيرها. وبالتالي تبدو الاصلاحات ضرورية لبلد المليون شاعر حتى يتم تحصين الجبهة الداخلية، ويستعد بلد المليون شاعر كما يجب لأي أخطار خارجية رغم أنها تبدو مستبعدة في الوقت الراهن لكن لا شيء يضمن عدم وجودها في المستقبل.

المصدر: النهار العربي