الصفحة الرئيسية > رأي > الحركة النسائية في موريتانيا حصاد السنين

الحركة النسائية في موريتانيا حصاد السنين

السبت 10 كانون الأول (ديسمبر) 2011


بقلم سيدي ولد سيد احمد البكاي

لم تشهد موريتانيا منذ استقلالها و حتى اليوم ما يمكن أن يصطلح على تسميته بحركة نسائية إذا ما أخذنا بالتعريف القائل بأن الحركة النسائية هي:
مختلف التيارات الفكرية التي تضع المرأة في تقابل مع الرجل و تربط به تأخرها و جهلها و تهميشها و تطالب انطلاقا منه بالمساواة المطلقة إلى درجة التماثل أو الإحلال, نافين بذلك أي شكل من أشكال الفروق البيولوجية , الطبيعة , ولا حتى الثقافية عند المتطرفين منهم و هذا قد يعود حسب اعتقادنا و حسب ما أكدنا عليه في كتابة سابقة بعنوان " النهضة النسوية في موريتانيا و حركات تحرير المرأة حول العالم(منشور على موقع الأخبار) " إلى الخصوصية التي تتمتع بها المرأة الموريتانية و التي كانت نتاجا لتضافر العديد من العوامل السوسيوثقافية و الأنتريولوجية المكونة للنسق الاجتماعي الموريتاني, فثقافة المجتمع الصحراوي البدوي و المجتمع الصنهاجي الأمومي امتزجت مع ثقافات الزنوج المختلفة و التي تكاد تتطابق مع ما نجده مسطرا في الفكر الأمومي ،الذي يعلي من قيمة المرأة انطلاقا من كونها مصدرا للحياة و الخلق بالقياس على الأرض التي تنبت الزرع ( نظرة المجتمعات التقليدية الزراعية)،هذه العوامل مجتمعة تلونت بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف و انصهرت فيه مبرزة مكانة خاصة للمرأة الموريتانية تحسدها عليها العديد من أخواتها حول العالم و في شبه المنطقة.

و إذا ما عرفنا الحركة النسائية بأنها اهتمام النخب النسوية أو النسائية بقضايا المرأة و العمل على إيجاد الحلول الملائمة لها ،نجد بأن المرأة الموريتانية و منذ البداية الأولى لتشكيل الدولة الحديثة كانت على وعي تام بالمعضلات التي تعاني منها و إن كانت آنذاك هي السمة الغالية على المجتمع ككل وذلك من قبيل: الجهل، الفقر، البقاء على الهامش في الحياة السياسية ،فوضوية الطلاق ،بعض أشكال العنف و الممارسات الضارة بصحتها مثل: التسمين القسري و الخفاض و الزواج المبكر جدا و من أخطر المعضلات التي كافحت المرأة الموريتانية للتخفيف منها: ربط بعض العادات و التقاليد المعيقة لتقدم المرأة الموريتانية بالشريعة الإسلامية و اكتسابها صفة القديسة و جعل محاولة البحث فيها أمرا خارجا على الشرع.

هذه المشاكل و غيرها ظلت الشغل الشاغل للحركة النسائية في موريتانيا و اتخذت لمعالجتها العديد من المقاربات و المناهج و شارك في حلحلتها مختلف المتدخلين والمهتمين بالمجال النسوي كل من موقعه مثل: القطاع العام ممثلا في الإطار الحكومي المجسد في الهيكل الوزاري عبر مسيرة تسمياته المختلفة بالإضافة إلى المجتمع المدني ممثلا في المنظمات الأهلية و الأحزاب السياسية و النقابات العمالية.

و قد حصدت المرأة الموريتانية بالفعل عبر سنوات نضالها العديد من المكتسبات الهامة و التي يمكن أن نوجزها في المحاور الأساسية التالية دون الغوص في تفاصيلها:

· على المستوى التعليمي فقد كانت النتائج طيبة جدا حيث تم تناول هذا المحور من خلال مستويين:

الأول:يتمثل في تشجيع تمدرس البنات و التركيز على نوعية ذلك التمدرس عبر تشجيع التخصصات العلمية و مكافحة التسرب في صفوف الفتيات أما المستوى الثاني فيتعلق بمقاربة محو الأمية و تعليم الكبار و تشجيع التكوين المهني من خلال مراكز التكوين المهني و مراكز التكوين للترقية النسوية.

و على المستوى الاقتصادي استفادت المرأة من خلال الاستراتيجية الوطنية للترقية النسوية و الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر و مختلف البرامج التنموية من عناية خاصة و اهتمام مركز انطلاقا من الفهم المتعلق بأن التمكين الاقتصادي للمرأة شرط محوري في حصولها على باقي المنظومة الحقوقية التي تطالب بها .

· وفيما يتعلق بالمشاركة السياسية فتعتبر موريتانيا من أوائل الدول التي منحت للمرأة حق الترشح و الانتخاب ، إلا أن هذه المشاركة ظلت خجولة نظرا للعديد من المعوقات التي يخرج تناولها عن إطار هذه المعالجة، إلا أن الحقوق السياسية للمرأة الموريتانية تعززت في الآونة الأخيرة باعتماد نظام التمييز الإيجابي / نظام الحصص/ و الذي منحت المرأة بموجبه حصة 20% وهو مكسب متقدم بالسنة لمثيلاتها في شبه المنطقة.

أما فيما يتعلق بالمشاكل الاجتماعية الأخرى فقد تم التخفيف منها بشكل كبير من خلال تركيز جهود القطاع الوزاري المكلف بالترقية النسوية / وزارة الشؤون الاجتماعية و الطفولة و الأسرة حاليا/ مختلف أنشطته على معالجتها من خلال إيجاد النصوص القانونية التي تجرمها و بلورة الاستراتيجيات و السياسات الهادفة للقضاء عليها.

· أما فيما يتعلق بالعادات التي يربطها البعض بالشريعة الإسلامية فقد استفادت المرأة الموريتانية من أراء الفقهاء و العلماء التي أدلوا بها في هذا الصدد مبرزين الرؤية الشرعية النقية التي تنطلق من تكريم الإسلام للإنسان بصفة عامة.

و بطبيعة الحال لم نقصد أبدا من خلال أبراز هذا الحصاد للحركة النسائية في موريتانيا أن نخلص إلى أن قضية المرأة قد وجدت الحلول الشافية الكافية خاصة أن المرأة الموريتانية تحتفل هذه الأيام بيومها الدولي و أن الحديث عنها و البحث فيها أصبح من باب الترفيه الفكري.

بل بالعكس لأن قضية المرأة من وجهة نظرنا تستمد جذورها من قضية المجتمع الموريتاني فما لم تتحقق تنمية اجتماعية تشاركية و مندمجة و ما لم تسد فيه قيم العدالة الاجتماعية و الإنصاف و محاربة الفساد و المفسدين ستظل قضية المرأة معلقة و حتى شعار أخر.

بقلم سيدي ولد سيد احمد البكاي