الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > التعديلات الدستورية تثير المخاوف في موريتانيا

التعديلات الدستورية تثير المخاوف في موريتانيا

الاثنين 14 آب (أغسطس) 2017


أثارت التعديلات الدستورية، التي تمكن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، من تمريرها، السبت الماضي، عبر استفتاء شعبي جدلا واسعا لدى الطيف السياسي والشعبي في موريتانيا. وصوت أكثر من 85 بالمئة من المشاركين فيه لصالحها، بعد أن فشل في تمريرها عبر البرلمان؛ حيث أسقطها مجلس الشيوخ.

ورغم رفض المجلس وكذلك أحزاب المعارضة الرئيسية لتعديل الدستور، الذي أعلن عنه الرئيس الموريتاني بداية العام الجاري، إلا أن ولد عبدالعزيز (60 عاما) أصر على تمرير التعديلات، وهو ما تحقق عبر استفتاء شارك فيه 53 بالمئة من الناخبين، وزاد من الجدل والتساؤلات حول أسباب تمسك الرئيس الموريتاني بها.

واعتبر رئيس وزراء سابق، رئيس حزب معارض، وكذلك خبير سياسي أن التعديلات تساهم في “تعزيز صلاحيات رئيس البلاد بشكل غير مسبوق”، وتمهد لترشح ولد عبدالعزيز لولاية رئاسية ثالثة لا ينص عليها الدستور حاليا، بينما رأى سياسي مؤيد للتعديلات أنها تهدف إلى “ترشيد الإنفاق العمومي” و”تسهيل عملية التنمية”.

وتتألف التعديلات الدستورية من شقين، أحدهما يتعلق بتعديل المادة 8 من دستور 20 يوليو 1991، والخاصة بالعلم الوطني لموريتانيا.

ونصت المادة 8 في صيغتها الجديدة على أن “الرمز الوطني هو علم يحمل رسم هلال ونجم ذهبي اللون على خلفية خضراء وعلى جانبيه شريط أفقي مستطيل أحمر اللون”.

بينما كانت تنص هذه المادة قبل التعديل على أن “الرمز الوطني هو علم أخضر يحمل رسم هلال ونجم ذهبيين”. وبرر حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، في وقت سابق، مقترح تعديل العلم بأن الخط الأحمر يرمز إلى “تقدير دماء الشهداء والمقاومة والاستعداد للدفاع عن الوطن”.

أما الشق الثاني من التعديلات، فيتعلق بإلغاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، إضافة إلى إنشاء مجالس محلية للتنمية، ودمج ثلاث هيئات حكومية هي المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، والمجلس الإسلامي الأعلى، ووسيط الجمهورية، في هيئة واحدة أطلق عليها اسم “المجلس الأعلى للفتوى والمظالم”.

ويرى رئيس الوزراء السابق، رئيس حزب عادل المعارض، يحيى ولد الوقف أن التعديلات تساهم بشكل كبير في تغول السلطة التنفيذية، وتعزز من صلاحيات رئيس البلاد بشكل غير مسبوق.

وتولى ولد الوقف رئاسة الحكومة لعدة أشهر عام 2008، قبل أن يطيح انقلاب عسكري بسيدي محمد ولد الشيخ عبدالله (أبريل 2007- أغسطس 2008)، أول رئيس مدني منتخب منذ استقلال موريتانيا عن فرنسا عام 1960.

واعتبر ولد الوقف في تصريحات إعلامية أن “المظهر الأول لتوسيع صلاحيات رئيس البلاد هو إلغاء مجلس الشيوخ، فميزة هذا المجلس هي أنه يشارك في السلطة التشريعية الموازية للسلطة التنفيذية، والقادرة على التصدي لتغول السلطة التنفيذية، بحكم القوة الدستورية التي يمتلكها المجلس”.

وأوضح أن مجلس الشيوخ له ميزة خاصة، وهي أنه لا يمكن حله أو إلغاؤه من طرف رئيس الجمهورية، عكس الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان)، التي يمكن لرئيس الجمهورية (وفق الدستور) حلها، بعد استشارة رئيس الحكومة ورؤساء الغرفتين (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ). وشدد على أن “إلغاء مجلس الشيوخ يجعل السلطة التشريعية تحت وطأة السلطة التنفيذية، نظرا لقدرة رئيس الجمـهورية على حل الجمعيـة الوطنية”.

واعتبر أن لجوء رئيس البلاد إلى المادة 38 من الدستور لعرض التعديلات الدستورية على الاستفتاء الشعبي، بعد أن أسقطها مجلس الشيوخ، “يعدّ هو الآخر إفراغا للمؤسسات التشريعية من صلاحياتها، وإشارة إلى أن الرئيس على استعداد دائم لخرق القانون من أجل تكريس سلطته وتعزيز صلاحياته”.

وأوضح أن “تجاهل ولد عبدالعزيز (الذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري عام 2008) للطريقة التي حددها الدستور لإجراء أي تعديل دستوري، هو ما جعل قوى المعارضة الرئيسية قلقة من أن تكون هذه الخطوات تمهيدا لخرق جديد للقانون يسمح بترشح ولد عبدالعزيز لولاية رئاسية ثالثة (من خمس سنوات)”.

وتنتهي الولاية الرئاسية الثانية لولد عبدالعزيز منتصف عام 2019، وينص دستور موريتانيا على ولايتين رئاسيتين فقط، وقد أعلن ولد عبدالعزيز، في أكثر من مناسبة، اعتزامه عدم الترشح مجددا لانتخابات رئاسة البلد العربي الواقع غربي أفريقيا، والبالغ عدد سكانه قرابة أربعة ملايين نسمة.

ولفت الخبير السياسي الموريتاني، الهيبة ولد الشيخ سيداتي، أن “النقطة الأساسية التي يتضح منها تعزيز التعديلات الدستورية لصلاحيات رئيس الجمهورية هي تلك المتعلقة بإلغاء مجلس الشيوخ، الذي كان المؤسسة الدستورية الوحيدة القادرة على التصدي للسلطة التنفيذية ورئيس البلاد”.

وأشار إلى أن “السلطة التنفيذية باتت بإمكانها الآن تمرير ما تريد، سواء تعلق الأمر بمشاريع القوانين أو الاتفاقيات أو غيرها بسهولة”.

وأضاف أن “التشريع الآن أصبح بيد غرفة واحدة، هي الجمعية الوطنية، التي يملك الرئيس حلها في أي وقت، عكس ما كان عليه الحال قبل التعديلات، إذ أن مشاريع القوانين والاتفاقيات وغيرها كانت تمر بغرفتين، إحداهما لا يملك الرئيس حق حلها (مجلس الشيوخ)، وهو ما يمنحها نوعا من القدرة على التصدي للسلطة التنفيذية”.

ورجح الخبير الموريتاني أن “ولد عبدالعزيز يخطط للبقاء في السلطة، خصوصا في ظل إعلانه، مؤخرا، أن الدستور بحاجة إلى تعديل آخر، وهو ما فهم على أنه قد يكون بداية لعرض تعديلات أخرى تسمح للرئيس بالترشح لأكثر من ولايتين رئاسيتين”.

واعتبر رئيس تيار الحراك الشبابي من أجل الإصلاحات الدستورية، الداعم لتعديل الدستور، أحمد ولد محمد، أن “مخاوف المعارضة بخصوص تعزيز صلاحيات رئيس البلاد على حساب السلطة التشريعية غير مبررة”. ورأى أن “مجلس الشيوخ لا يملك من الصلاحيات ما يجعله يشكل مصدر قلق للسلطة، وإلغاء هذا المجلس يهدف فقط إلى ترشيد الإنفاق العمومي عبر تحويل صلاحياته إلى الجمعية الوطنية”.

المصدر : "العرب"