الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > موريتانيا تغلق مدارس دينية غير مرخصة.. هل تنجو "المحاظر" من تهمة الإرهاب؟

موريتانيا تغلق مدارس دينية غير مرخصة.. هل تنجو "المحاظر" من تهمة الإرهاب؟

الجمعة 25 كانون الأول (ديسمبر) 2015


موريتانيا تغلق" المحاظر" او المدارس الدينية غير المرخصة في انحاء لبلاد، حماية لها من تسلل المتشددين والمتطرفين لها ، بعد توجد اتهامات بانها تخرج الارهابيين.

اغلاق مدارس:

أغلقت السلطات الموريتانية خلال الأيام القليلة الماضية ما يقارب من أربعين محظرة “مدرسة دينية” تابعة للإسلاميين في خطوة ترمي إلى فرض الرقابة على المدارس الدينية غير المرخصة التي تعمل خارج القانون والتي تعدّ حاضنة للأفكار المتطرفة.
وأوضح مصدر مطلع أن الخطوة الحكومية ترمي إلى مراقبة مقررات ومناهج المؤسسات الدينية ووضع حد لاستغلالها سياسيا وتفادي انحرافها عن المنهج الديني الوسطي للبلاد.
وتم إغلاق نحو أربعين مدرسة في محافظات الشرق الموريتاني كما تم تفتيش مركز تكوين العلماء في العاصمة نواكشوط الذي يرأسه محمد الحسن الددو الذي يوصف بأنه “الزعيم الروحي” للإسلاميين في موريتانيا. وشمل التفتيش المقررات والمناهج وطاقم التدريس ومصادر التمويل.
و يوجد في موريتانيا الآلاف من "المحاظر" أو المدارس الشَّنقيطية التقليدية، التي تعرف بالجامعات الصحراوية المتنقلة حيث تدرس علوم الدين والقرآن لكن الحركات الدينية تتهم باستغلالها لنشر فكرها الإسلامي السياسي واتخاذها منابر للدعاية السياسية.

ماهي المحاظر:

قبل قيام الدولة الموريتانية الحديثة، بأكثر من سبعة قرون تقريبًا، عرف الموريتانيون كتاتيب تعليم الشريعة الإسلامية واللغة العربية وأطلقوا عليها تسمية "المحاظر" وهي مدرسة دينية تقليدية، قريبة الشبه من الكتاتيب المصرية، واغلب الروايات ترى أن تأسيس " المحاظر" كان مع بداية تشكل دولة "المرابطون" حيث يرى هؤلاء أن الأمير اللمتوني "أبا بكر بن عمر" بعد انفصاله عن "ابن تاشفين" بالمغرب وعودته إلى الصحراء اصطحب معه فقهاء قاموا بتأسيس مدارس دينية كانت هي نواة تشكُل مؤسسة " المحظرة" الشنقيطية.
ووفقا لأخر الإحصاءات الحكومية، تنتشر في ربوع موريتانيا أكثر من 1000 محظرة، توفر مراحل تعليمية مختلفة تتنوع من حيث الاختصاص، إذ يركز بعضها على تعليم القرآن الكريم وعلومه، بينما يهتم بعضها الآخر بتدريس العلوم الشرعية واللغة العربية وما يتصل بهما من علوم.
و"المحظرة" تتبنّى منهجاً دراسياً يعتمد على الحفظ والتلقين وقد عرفت تاريخياً بكونها مكاناً لتدريس القرآن وعلومه والعقيدة وعلوم الحديث والفقه والنحو والصرف واللغة والأدب وعلم العروض والمنطق والبيان، ولا تزال تلعب الدور نفسه.
ويبدأ الطالب الملتحق بـ"المحظرة"، عادة بدراسة اللغة العربية وعلومها، ثم يتسع ليشمل علوم الشريعة الإسلامية بما فيها من آراءِ وتخريجاتِ علماء الفروع، باعتبارها منطلقًا أساسيًا لمعظم سكان البلاد أصحاب النزعة الأشعرية المالكية. لهذا ما يزال الموريتانيون يذكرون، ضمن ثقافتهم المحظرية، المقولة المشهورة: "نحن قوم خليليون، نسبة لخليل بن اسحاق المالكي، إن ضلّ خليل ضللنا"، التي تعكس ارتباطهم بالمذهب المالكي، وتوضح المكانة التي تحتلها العقيدة الأشعرية السٌنية، نسبة لأبي الحسن الأشعري، في نفوسهم.
ورأي مراقبون ومتابعون ، أن هناك تراجع للمذهب المالكي، وتقلص الآخذين بالعقيدة الأشعرية ذات المنبع الصوفي، وزيادة في النهج والفكر السلفي، أو ما يعرف بـ"المدٍّ سلفي" ، وهو ما ادي الي إقبال عدد من الطلبة الأجانب ذوي الميول السلفية الجهادية.

المدراس الدينية وشبهات الارهاب:

ومع التحاق عدد من الطلاب "المحظرة" الي الجماعات الجهادية وتنظيم القاعدة، ووجود عشرات القيادات من التنظيم يحملون الجنسية الموريتانية وكلهم من خريجي المحاظر الموريتانية وهو ما جعل العديد من الباحثين الاجتماعيين يربطون بين المحظرة والتطرف، نبه المراقبون الي اهمية إعادة النظر في المدارس الدينية خارج الإشراف والمتابعة الحكومة.
وهناك عشرات المعتقليمن من تنظيم القاعدة في موريتانيا، في مقدمتهم "الخديم ولد السمان" زعيما لتنظيم القاعدة فرع شنقيط (أنصار الله المرابطون) وهو ابن عم الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز.
مع طفرة في التشدد وظهور الجماعات الارهابية، كتنظيم "داعش" و"بوكو حرام" و"القاعدة" وغيرها ، تعالت دعوات المراقبون مطالبة بمراجعة المنهج المتبع في المحاظر وفرض مزيد من الرقابة عليه، خاصة بعد أن سُجلت بضع حالات انخرط أصحابها في تنظيمات جهادية توصف بـ"التشدد"، بعد أن مروا خلال مسيرتهم العلمية بالمحظرة، ما جعل البعض يتهمها، تلميحا أو تصريحا، باحتضان الفكر الأصولي المُغَذي للحركات الإسلامية المتشددة في المغرب العربي.
وقد الباحث في الفكر الإسلامي والاجتماعي محمد المهدي ولد البشير نقداً لكتاب "المختصر" لخليل بن إسحاق الجندي الذي يعد من أهم كتب المحظرة.
أشار المهدي ، في مداخلة بعنوان "جذور العنف في الفقه الإسلامي"، ألقيت في المؤتمر الدولي لمحاربة الإرهاب الذي عقد قبل عامين في العاصمة الموريتانية نواكشوط، إلى أن فيه ما يدعو إلى التعدي على الآخر، وطالب بمراجعة بعض الأمور ومنها إشكالية الجهاد، وقال إنه يخشى أن الفقهاء الذين يعتبرون أن الجهاد للدفاع وليس للهجوم منهزمون في موريتانيا، ولفت إلى أن "مختصر خليل" يعتبر "أن الجهاد في أهم جهة كل سنة واجب على سبيل الكفاية"، أي أنه يجب أن نقوم كل سنة بحملات توسعية لاحتلال أراضي الاَخرين.
وأكّد ولد البشير أن خليل يقول إنه يجب دعوة غير المسلمين إلى اعتناق الإسلام وإذا لم يدخلوا الإسلام يُدعون إلى دفع الجزية وإذا لم يدفعوا الجزية أو كانوا في مكان لا تصلهم سلطة المسلمين، على الأخيرين قتالهم. وأضاف أيضاً أن خليل يعتبر أنه على غير المسلمين أن يهانوا حين تؤخذ منهم الجزية.
وتراقب السلطات الأمنية تحركات الدارسين في المعاهد الدينية، خصوصا من غير الموريتانيين، خشية سيطرة جماعات متشددة عليهم، ورغم أن مسيري هذه المدارس يؤكدون أن تمويلها يتم عن طريق أشخاص وجمعيات خيرية إسلامية والمنح الدراسية التي تعطى للطلاب، فقد ركزت السلطات الأمنية على نشاط بعض هذه المدارس المتهمة بالتعاون مع تنظيم القاعدة، بعدما شنت القاعدة هجمات داخل موريتانيا وأصبح الطلاب يخضعون للتدقيق من قبل قوات الأمن.
وبدأ الجيش الموريتاني، منذ اكثر من ثلاث أعوام، يشن هجمات تستهدف التحركات العسكرية والأمنية وحتى التجارية التي يعتمد عليها تنظيم القاعدة في المغرب العربي وشمال افريقيا، وحقق نجاحات مقدرة أحكمت الخناق على تحركات مجموعات القاعدة العسكرية في المجال الصحراوي المتاخم للعديد من مدن الولايات والمدن، غير أن التنظيم لا يزال يمتلك شبكات استخبارية ولوجستية داخل الأراضي الموريتانية.

خطة حكومية:

اغلاق "المحظرة" الغير مرخصة، يهدف الي ضبطها وحمياها من التطرف والتشدد، ولذلك اطلقت الحكومة الموريتانية، في 14 ديسمبر2015، تكوينا لصالح وحدة تسيير المشروع النموذجي للتكامل بين "المحاظر"، والمدارس العصرية.
وتهدف الحكومة الموريتانية إلى ترقية وحماية "المحاظر" التي تهتم بتدريس علوم اللغة العربية والفقه الإسلامي، ووضعت برامج لمراقبتها والحفاظ على خصوصيتها الحضارية وفتح آفاق للتبادل العلمي بينهما وبين نظيراتها من مؤسسات التعليم العتيق في الدول الإسلامية.
ويسعى التكوين بحسب الوكالة الموريتانية للأنباء ـ الرسمية ـ إلى تعزيز قدرات الطاقم المشرف على الجمع بين التعليم العصري ، والاصلي فى موريتانيا.
وسيتلقى المشاركون من طاقم الوزارة والقائمون على المشروع وممثلون عن المجتمع المدني عروضا على مدى يومين حول البرمجة، والتخطيط، والمتابعة، والتقويم والتنفيذ.
وينظم التكوين بالتعاون بين وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة( الايسيسكو)، والبنك الإسلامي للتنمية.
وتستقبل هذه المحاظر طلبة من جميع الجنسيات، خاصة من الدول المغاربية وإفريقيا غرب الصحراء، إضافة إلى بعض الأوربيين والأمريكيين الباحثين عن حقيقة الإسلام.
وأوضح وزيرالشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي أحمد ولد أهل داوود أن قطاعه رسم استراتيجية فعالة للنهوض بكل مؤسساتها التعليمية وخاصة التعليم الأصلي الذي ظل منبع الأصالة الموريتانية ومصدر اعتزازها على مر العصور.
ودعا القائمين على المشروع للعمل جدية وإخلاص سعيا إلى دعم المنظومة الوطنية التعليمية، وذلك بمد الجسور بين التعليمين العصري والأصلي ليكمل أحدهما الآخر.
ويؤكد أحمد ولد النيني وزير الشؤون الإسلامية المورتاني السابق، أن عدد المحاضر في موريتانيا يناهز 7 آلاف محظرة في بلد يضرب فيه الإسلام والتدين بجذور عميقة، وأشار إلى أن المسح الإحصائي الشامل الأول من نوعه في موريتانيا أكد أن عدد المحاضر بلغ 6718 محظرة، و5082 مدرسة قرآنية، تضم 163912 طالبا، وبلغ عدد المساجد الإجمالي 8000 مسجدا، منها 1813 جامعا و4337 مصلى والباقي مساجد.
وأضاف الوزير أن هذا الاحصاء سيمكن من تحديث قاعدة البيانات المتعلقة بالمساجد والمحاظر وضبطها والتواصل معها حتى نتمكن من التعرف على شيوخ المحاظر ومعرفة مخزونهم العلمي ومستوى أدائهم، والطلاب ومراحلهم الدراسية وعدد الأجانب منهم.

مستقبل المحاظر:

يدين الموريتانيون للمحاضر بالكثير من الفضل، لأنها حافظت على هوية البلاد الحضارية والثقافية ووفرت فرص التعليم المجاني لجميع الموريتانيين بدون استثناء، لذلك تسعي الحكومة الي حمتها من تغلل التطرف والارهاب مع وجود حالات عديدة علي التحاق العديد من ابناء "المحاظر" بالجماعات الارهابية، وهو ليس مقياسا علي انها تحمل الفكر المتشدد، فهناك الالاف من خريجي الجماعات المدنية في مختلف انحاء العالم العربي والاسلامي والغربي التحقوا بـ"القاعدة" و"داعش"، لذلك جاءت خطة الحكومة لحماية "المحاظر" من الارهاب والتشدد ولتستمر في اداء رسالتها بحفظ التراث وتعليم الاسلام.. فهل ستنجح الحكومة في حماية المحاظر، أم سيؤدي الحرب علي الارهاب الي اندثار هذه المدارس التاريخية.

المصدر : بوابة الحركات الاسلامية