الصفحة الرئيسية > الأخبار > سياسة > موريتانيا.. المغامرة أم المناورة؟

موريتانيا.. المغامرة أم المناورة؟

الجمعة 25 أيلول (سبتمبر) 2015


ما الذي يسعى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز للوصول إليه من العاصفة الحالية التي تثيرها قراراته بخصوص الحوار؟

سؤال يتردد على شفاه جميع الموريتانيين، نخبة وعامة. فالموريتانيون يدركون أن الرئيس وضع البلاد على سكة «مرحلة سياسية حاسمة»، لكن ككل قوافل الصحراء لا تتضح معالم الطريق إلا بعد الوصول.
سيشكل الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل منعطفاً مهماً، فإما أن يقرر الرئيس الموريتاني «المغامرة» أو يعود إلى «المناورة». غير أن أهداف الرجل، كما يبدو من التسيير الميداني للأحداث، لم تعد تحتمل التأجيل كثيراً بحسب متابعين دقيقين للوضع.

لقد تراجع الرئيس الموريتاني عن سعيه إلى «حوار توافقي»، وبدلاً من ذلك قرر حرق الخطوات نحو «مشروعه المجهول حتى الآن»، والتعبير لقادة المعارضة.

لا تزال صدمة إقدام النظام من جانب واحد على تنظيم «حوار السابع من سبتمبر» مدوية الأصداء. فالنظام حشر موالاته و«الجانب الذي يملكه» من المعارضة في حوار أطلق عليه «جلسات اللقاء التشاوري التمهيدي حول الحوار الشامل».

جرت الجلسات في ظل مقاطعة ائتلافي المعارضة (المعتدلة والمتشددة)، وبرغم ذلك تمكن النظام من كسب حزب واحد معارض وعشرة قياديين من أحزاب المعارضة للمشاركة في هذه الجلسات.

وإعلامياً، حرص النظام على تقديم المشاركين في الحوار التمهيدي باعتبارهم يمثلون «إجماع الموريتانيين»، وأعلنت الحكومة التزامها التطبيق الحرفي لنتائج الحوار التمهيدي.
جاءت خلاصة «الحوار التمهيدي» في نقطتين رئيسيتين، أولاهما تحديد موعد «الحوار الوطني الموسع الشامل» في أجل زمني أقصاه الأسبوع الأول من أكتوبر 2015، و«عدم تأجيله لأن الفاعلين السياسيين والشعب يعلقون آمالا عريضة على هذا الحوار الوطني الشامل»، وفق التوصيات، ثم تجديد الدعوة لكل الأطراف للمشاركة في الحوار المرتقب.

وثانيهما، مواضيع الحوار، وتتناول ملفات: «الهيئات الدستورية وعلاقات السلطات وصلاحياتها، وشعارات الدولة ورموزها، وآليات التناوب السلمي على السلطة، والمنظومة الانتخابية، وضمانات الشفافية ومصداقية المسار الانتخابي، وترقية وتجديد الطبقة السياسية، والمال السياسي».

إن هاتين النقطتين تمثلان عربتين أمام حصان المصالحة السياسية الموريتانية.
ففي مجال النقطة الأولى، أجمع ائتلاف المعارضة على رفض نتائج الحوار التمهيدي، واستبق تلك النتائج بالتبرؤ من أي تغيير ينتج عن الحوار الذي وصفه ب«المهزلة والمسرحية الممجوجة».
وأكدت المعارضة أن الهدف من هذا الحوار السعي إلى تقسميها وإضعافها أمام مساعي النظام إلى تغيير الدستور للبقاء في السلطة.
المعارضة الموريتانية جددت تمسكها بشروطها للحوار، وتتلخص تلك الشروط في مسار يؤدي إلى خروج ولد عبد العزيز من السلطة في مدة أقصاها نهاية مأموريته الرئاسية الجارية.

كما أعلنت المعارضة عزمها العمل بكل الوسائل المتاحة لمقاومة «المشروع السياسي لبقاء النظام الحالي في السلطة».

وتزامناً أطلقت المعارضة حملة سياسية وإعلامية واسعة لمقاومة المشروع الذي يخطط له النظام.
رد النظام بسلسلة إنذارات لوسائل الإعلام الحرة، وبدأت السلطة العليا للإعلام، ولأول مرة في تاريخها، بحملة إعلامية للدفاع عن شخص رئيس الجمهورية وعائلته، ثم أقدمت على حظر البرنامج الإذاعي الأشهر في البلاد، واستدعت ممثلي القنوات الفضائية.
وسط هذه العاصفة، وفي انتظار «الحوار الشامل» بداية أكتوبر المقبل، من المؤكد أن ذلك الحوار المرتقب سيكون حلقة ثانية من حوار السلطة مع نفسها.
فقد تأكد ل«الخليج» أن ائتلافي المعارضة قررا مقاطعة الحوار القادم، ما لم يتراجع النظام عن تنظيم الحوار من جانب واحد ويقدم «تنازلات وضمانات ملموسة». إنها تلك «الضمانات»، التي تعني توقيع الرئيس على نهاية حكمه، وهذا مطلب لا يجد ما يعضده على أرض الواقع، إذ توجد المعارضة الموريتانية في وضعية لا تحسد عليها تنظيمياً ومالياً.
أمام هذه الوضعية، وإصرار النظام على مضيه في مسار الحوار، وتمسك المعارضة بشروطها، ثمة أسئلة تحير الموريتانيين، وهي الهدف الحقيقي لدى الرئيس الموريتاني من الحوار المرتقب في هذه الظرفية، خاصة أن أكثر من ثلاث سنوات لا تزال باقية من مأموريته الحالية.

تآزر الإشارات، التي سجلت هذا الأسبوع، اتهامات المعارضة بتخطيط الرئيس للبقاء في السلطة عبر تغيير الدستور ورفع عدد المأموريات الرئاسية. فقد حدد المشاركون في «حوار سبتمبر» موضوع «الهيئات الدستورية وعلاقات السلطات وصلاحياتها» كأحد المواضيع الرئيسية للنقاش في «حوار أكتوبر» القادم.

ومن الواضح أن «علاقات السلطات وصلاحياتها» تعني مناقشة النظامين الجمهوري والبرلماني، وأثار أنصار ولد عبد العزيز على نطاق واسع مطلب تغيير النظام من جمهوري إلى برلماني، وهي خطوة ستعفي الرئيس من «مشكل اليمين القانوني» بعد تولي أكثر من مأموريتين رئاسيتين، في ذات الوقت الذي ستتيح له فيه قيادة البلاد عبر النظام البرلماني.
ونهاية الأسبوع الجاري صادقت الحكومة الموريتانية على «استراتيجية النمو المتسارع والازدهار» التي تغطي مدة 15 عاماً، وورد في بيان مجلس الوزراء أن «الاستراتيجية التنموية المذكورة تتكئ من حيث الرؤية والأهداف على برنامج رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز».

كما أن أغلب المشاريع التنموية الاستراتيجية مصممة على فترات طويلة الأمد في بلد عرف بقصر نفس وآنية مشاريعه التنموية.

ويصب ذلك في تعزيز الأدلة على مساعي ولد عبد العزيز للبقاء في السلطة.. هذه رؤية المعارضة، فيما يؤكد قادة الأغلبية أن الهدف من الحوار لا يتجاوز تطوير التجربة الديمقراطية، وإتاحة الفرصة أمام المعارضة للمشاركة في المسار الانتخابي.

وهكذا فإن «السلوك» المتبع ل«مساعدة» المعارضة يبدو أنه الحوار في غيابها.

بالنسبة لأغلب المراقبين، فإن السؤال الآن هو حول «شكل» لا «مضمون» تمرير المشروع السياسي الجديد لولد عبد العزيز، وسيكون ذلك وفق سيناريوهين:
«سيناريو المغامرة»، ويعني أن الرئيس الموريتاني سيمضي بأغلبيته الرئاسية ومن يحصل عليهم من معارضين يمثلون «أدوات تجميل»، في مشروع تغيير الدستور الذي سيتكئ فيه على «الجانب الشعبي والشعبوي»، وسيكون له ما أراد، غير أن هذا الخيار يعتبر «مغامرة» حقيقية ويتوقع أن تؤدي إلى هزات عميقة قد لا تحمد عقباها.. إذا قررت المعارضة فعلا النزول للشارع، فضلاً عن أن حساب «الانقلابيين النائمين» لم يسقط يوماً من أي معادلة سياسية في البلاد.

وهناك «سيناريو المناورة»، ويعني أن الرئيس ولد عبد العزيز بعد أن اتضح له أن المعارضة لن تشارك في الحوار المرتقب بالأسلوب المتبع حالياً، قد يعود إلى فرملة الاندفاعة الحالية باتجاه «تغيير أحادي»، بالعودة إلى اتصالات الكواليس مع قادة وفصائل في المعارضة، ومحاولة الاتفاق على أرضية مشتركة للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، خاصة أن معسكر الرئيس ذاته يشهد حالة انقسام وصراع غير مسبوقة، والاعتماد على هذا المعسكر المنقسم المتناحر أمر لا يخلو من مخاطرة، وفي كل الأحوال لن يؤدي إلى الاستقرار المنشود وإلى التغيير التوافقي، الذي من شأنه أن يضع حداً للأزمات المزمنة التي تعرفها البلاد.

وفي تصريح ل«الخليج»، يستعرض الدكتور عبد السلام ولد حرمة، الرئيس الدوري لائتلاف المعارضة المعتدلة، رؤيته في هذا المجال، قائلاً «فرص انطلاق حوار وطني قبل فوات الأوان ومن خلال صيغة مشرفة للجميع تتعرض لانتكاسة جديدة تعمقت فيها للأسف آلية التخندق والتنافر. فالسلطة التي دعت إلى هذا الحوار أخيراً عبر آليتها التي اختارتها لا يبدو أن ما جرى سيشجعها على المضي قدما أكثر، كما أن أطراف المعارضة التي رفضت هذه الآلية كل بطريقته لم تتحرك لتقديم ما يساعد على ظهور آلية بديلة أو يفتح أفقاً أمام خيبة أمل تلف الجميع».

ويضيف ولد حرمة «أظن أن على السلطة أن تراجع مسارها من خلال تغيير آلية تحركها خصوصاً تقييمها غير الدقيق بأن كل أطياف المعارضة حسمت أمرها ضد الحوار، في حين أن سوادها الأعظم يريد هذا الحوار ويسعى إليه بل لهث أحياناً بعضها في البحث عنه، واستجدى بعضها الآخر في حصوله، وما ينبغي فهمه بالنسبة للسلطة هنا هو أنه لا يوجد تاريخ مقدس ينبغي أن يبدأ فيه حوار مفيد، وإنما المطلوب هو التاريخ الذي يراه الجميع مناسباً، وعلى المعارضة بكل أطيافها أن تعيد النظر في مسارها السابق الذي تتبخر نتائجه باستمرار وتعلم أن البحث عن نتيجة أفضل لا يستوجب فرض صيغة واحدة، خصوصاً إذا تبين أنها لم تعد منسجمة مع السياق الطبيعي للواقع الجديد».

إنه فعلاً «عدم الانسجام مع السياق الطبيعي للواقع الجديد» من كلا طرفي الأزمة السياسية في موريتانيا.. فلا الرئيس ولد عبد العزيز استجاب لأبسط الضمانات التي طالب بها قادة معارضته، وهو أطلق سياسة حرق المراحل تمهيداً لرسم مستقبله السياسي، بينما تعيش المعارضة على ورقة «الموقف المبدئي»، الذي يزيدها عزلة وحرماناً، وإن كان يمنع النظام شرعية «الإجماع الوطني» حول الحوار المرتقب الذي يتوقع أن يؤدي إلى تغييرات هامة في مستويات عدة، بغض النظر عن «شرعية وإجماعية» تلك التغييرات.

المختار السالم

المصدر : "الخليج"