الصفحة الرئيسية > الأخبار > سياسة > موريتانيا: مخاوف من تضييق نطاق حرية التعبير والمعارضة تهاجم «سلطة الصحافة»

موريتانيا: مخاوف من تضييق نطاق حرية التعبير والمعارضة تهاجم «سلطة الصحافة»

الثلاثاء 25 آب (أغسطس) 2015


استمر انشغال كل من المشهد السياسي الموريتاني وعالم التدوين في شبكات التواصل أمس بحدثين توازيا الأسبوع الماضي في موريتانيا، هما مصادقة البرلمان الموريتاني على قانون الجريمة السبرانية، وعلى قانون المجتمع الموريتاني للمعلومات، وقيام السلطة العليا للصحافة بإصدار بيان انتقد استغلال وسائل الإعلام الموريتانية لحرية الصحافة ومساسها بالأعراض وبخاصة شرف الرئيس.
وفيما أكدت الحكومة أن إجازة القانونين ضرورة لازمة لكون أحدهما سيسد «شبه فراغ قانوني في ميدان الجريمة السيبرانية»، بينما يكرس الآخر الحماية الجزائية للأنظمة والبيانات المعلوماتية، عبرت الأوساط السياسية وإلاعلامية عن تخوفها من أن يكون إصدار القانونين مضافا لبيان السلطة العليا للصحافة، مقدمات للحد من حرية التعبير في موريتانيا وهي الحرية التي قطعت في ظل نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز خطوات هامة.

وأكدت الحكومة أن «القانون التوجيهي للمجتمع الموريتاني للمعلومات» يهدف إلى رسم «التوجهات الكبرى»، المتعلقة بوضع الأسس القانونية والمؤسسية للمجتمع الموريتاني للمعلومات.
وأوضحت في بيانها الأخير «أن مشروع القانون يحدد مجموعة من المبادئ والقواعد من شأنها أن تيسر التطوير المنسجم لتقنيات الإعلام والاتصال في موريتانيا بما يضمن مراعاة «ضرورات الأمن العام» و»الاحترام الصارم للأخلاق الحميدة والقيم الدينية والحضارية».

وكانت السلطة العليا للصحافة قد أكدت في بيانها «أنها ستعمل بكل ما أوتيت من صلاحيات لفرض احترام التشريعات المعمول بها في مجال حرية النشر». وألزمت السلطة «الصحافيين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية بالاحترام التام للنصوص والالتزامات القانونية ولقواعد وأخلاقيات المهنة الصحافية»، متعهدة «بالذود عن حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وبحماية أعراضهم وصون كرامة النفس البشرية».

وندد البيان «بكافة أشكال التجريح والقذف والإساءة التي يمكن أن تنال من شرف رئيس الجمهورية».
وأوضح «أن مجلس السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية سجل في إطار متابعته للمضامين الإعلامية، استمرار عدد من وسائل الإعلام في تجاهل النصوص المنظمة لحرية الصحافة، وفي خرق الأحكام القانونية والقواعد الأخلاقية للمهنة الصحافية».

يضيف البيان «ذلك أن هذه الوسائل، لم تدرك بعد مغزى ورهانات الحرية ولا أثرها على المصلحة والنظام العامين، ولم تكُف يوما عن نشر الأخبار والمعلومات من دون التأكد من صحتها، حيث أساء هذا السلوك الخارج على القانون وعلى قواعد المهنة إلى كرامة النفس البشرية وإلى السلم المدني واللحمة الاجتماعية بسبب ما ينشره صحافيون لا يفرقون بين الحرية والمسؤولية».

أما السلطة العليا للصحافة فقد أكدت في بيانها «أنه بدل أن تعكس وسائل الإعلام الوطنية تنوع المجتمع الموريتاني وثراءه وخصوصياته وتعدد مشاربه، ضمن برامج حوارية متوازنة ومسؤولة، أصبحت المضامين الإعلامية المقدمة للجمهور مجالا مفتوحا للتحريض على الحقد والكراهية مما كاد يمزق النسيج الاجتماعي ويقوض عرى التعايش السلمي».

«وقد ظل بعض الإعلاميين الذين يتداولون كل ما يلتقطونه من أخبار، يضيف البيان، يكيلون للناس وافر التهم من دون تحر ولا تدقيق، حتى لكأن الشائعة أصبحت مصدرا يوثق به والقذف والإهانة شكلين معتمدين من أشكال حرية التعبير، وهكذا عانى المواطنون كثيرا من التشهير والقذف وانتهاك حرمة الحياة الخاصة والعائلية».

وانتقدت السلطة في بيانها توجيه التهم والشتائم لرئيس الجمهورية حيث أكدت «أن رئيس الجمهورية لم يسلم من آثار نقص المهنية وغياب الوعي القانوني لدى الصحافيين، بل أصبح البعض ممن لا يميزون بين الحياة الخاصة والحياة العامة لرئيس الدولة، يكيلون له التهم غير المبررة ويوجهون إليه أنواع الشتائم والقذف والإهانة محاولين النيل من عرضه والإساءة إلى أفراد عائلته».
وأكدت «أن هذه الخروقات القانونية والمهنية ألحقت بالغ الضرر بالمصلحة العامة للأمة وبعلاقات الجوار والتعاون بين موريتانيا وعدد من الدول الشقيقة والصديقة».

وقد ردت المعارضة على بيان السلطة ببيان شديد اللهجة بدأته قائلة «أخيرا تكلمت «الهابا» (الهيئة العليا للصحافة والسمعيات البصرية)، تكلمت لا لتعلن عن عزمها السهر على تطبيق القانون ولا لتؤكد ارادتها في فرض احترام أخلاقيات المهنة، ولا لتدافع عن حرية الإعلام وطلب الدعم المؤسسي والمالي لقطاع يهدده الضعف الهيكلي وشح الوسائل.. ولا للوقوف ضد احتكار وسائل الإعلام العمومية من طرف السلطة القائمة ولا لوضع حد للخطاب القبلي والفئوي والعنصري المتطرف الذي يمزق وحدة الشعب ويهدد استقرار البلد، تلكم أمور، تضيف المعارضة، لا تهم «الهابا» وإن كانت هي صميم رسالتها.
وتابعت المعارضة هجومها على السلطة قائلة «بل تكلمت الهابا لتهدد وتتوعد كل من تسول له نفسه أن يمس من قريب أو بعيد مما سمته «شرف رئيس الجمهورية وعائلته».
«ولكننا، تضيف المعارضة، نقول للهابا إن الرئيس وحده هو من يستطيع أن يحمي شرفه وشرف عائلته، يحميه، ليس ببيانات الهابا ووعيدها وتكميمها لأفواه الصحافيين، بل بالابتعاد عن ما يدنس العرض ويخل بالشرف».

ثم طرحت المعارضة سيلا من الأسئلة الاستنكارية قائلة «فهل تستطيع الهابا صيانة شرف من يقر على نفسه أمام الملأ بأنه كان يفاوض عصابات تبييض الأموال على صناديق الدولار المزور؟.. وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من سقط في شبهة التعاطي مع شبكات المخدرات التي أصدر عفوا رئاسيا عن أحد أساطينها؟؟.. وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من شاهد الجميع شاحنات العون الغذائي تفرغ نهارا جهارا في منزله الخاص؟.. وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من يتمادى في رفضه الإعلان عن ممتلكاته متحديا بذلك قوانين الجمهورية؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من أصبح هو وأسرته وعصبته، بين عشية وضحاها، أثرياء البلد عن طريق الاستحواذ على مقدرات شعب تتدهور ظروفه الاقتصادية والمعيشية يوما بعد يوم؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من يطلق ابنه الرصاص على بنات الناس من دون أن يتعرض للمساءلة (من دون الحديث عن الرصاصات الكثيرة الأخرى)، وذلك في الوقت الذي يسجن فيه آخرون بسبب أعمال أقل فظاعة بكثير؟، ..وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من كل شيء بالنسبة له معروض للبيع، بدءا بالرهائن (مدير مخابرات القذافي عبدالله السنوسي) وانتهاء بالمدارس؟.. وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من جعل من التنكر لتعهداته والتنصل من التزاماته رياضته المفضلة؟.. وبكلمة واحدة، هل تستطيع الهابا أن تصون شرف أو كرامة من لم يصن هو نفسه شرفه وكرامته وشرف أسرته وكرامتها».

«والحقيقة، تضيف المعارضة، أن ما يثير الانتباه، بل القلق، هو تزامن بيان الهابا مع مصادقة مجلس الوزراء على مشاريع القوانين المتعلقة بالمضامين الرقمية التي تبيح للسلطة «التفتيش والحجز المعلوماتي واستحداث آليات جديدة للبحث عن الأدلة الرقمية» بحجة ضمان الأمن العام واحترام الأخلاق الحميدة».

وشددت المعارضة على «أن هذه الخطوة الجديدة والخطيرة على طريق التجسس على الحياة الخاصة للمواطنين وتكميم أفواه الصحافة والمدونين، تستدعي تعبئة كل الحريصين على احترام الحريات العامة وحماية حرية التعبير للتشهير بهذه الإجراءات التي تنتهك حرمة خصوصيات المواطنين وتخنق حق الإعلام والتعبير».

المصدر : «القدس العربي»