الصفحة الرئيسية > رأي > جاء الدور على موريتانيا
جاء الدور على موريتانيا
الثلاثاء 5 أيار (مايو) 2015
بقلم : محمد الأشهب
الأزمة بين نواكشوط والجزائر ثنائية، لا شك في ذلك، ومثلها يقع في بلدان عديدة، من دون أن يكون له أثر يتجاوز المحور الثنائي. وعادة ما تتبعه مبادرات انفتاح لتطويق هكذا أزمة، إن كانت ظرفية وعابرة.
غير أن ما حدث ينم عن وجود رغبة مناوئة للمصالحة ورأب الصدع، بدليل أن الجزائر لم تكتف بالمعاملة بالمثل، ورحلت دبلوماسيا موريتانيا من سفارة بلاده في الجزائر، ردا على طلب مغادرة أحد دبلوماسييها الذي تورط في الإساءة إلى العلاقات التقليدية بين موريتانيا والمغرب، بل زادت على ذلك بغياب وزير داخليتها عن اجتماع وزراء القطاع المغاربيين، لمجرد أنه انعقد في نواكشوط..
إذا أضفنا لهذا الغياب المقصود الذي لا مبرر له، طالما أن القضايا محور النقاش تتجاوز العلاقات الموريتانية – الجزائرية، نحو مجمل الدول المغاربية، تصرفات مماثلة عبرت عنها الجزائر منذ أقرت عدم المشاركة في أي اجتماع يستضيفه المغرب، إلا بمستوى تمثيلي أقل، يتبين أن المسألة أكبر من مجرد خلافات جزئية. وما يعزز هذه الفرضية المستندة إلى أفعال وليس أقوالا فقط، أن السلطات الجزائرية عمدت إلى إقحام الرباط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في خلافاتها الناشئة مع موريتانيا، يكشف هذا السلوك عن نظرة استعلائية متكبرة، لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول، خصوصا لدى اتخاذ قرارات تندرج في صلب الممارسات السيادية. وإذا كانت الجزائر دأبت على الضغط على بعض الدول والإيحاء لها بما يجب أن تفعله، فإن موريتانيا والمغرب ليسا من النوع الذي يتقبل تدخل الآخرين في شؤونهما الداخلية، فموريتانيا حرة وسيدة قراراتها في أصناف المعاملات مع الدول، كبيرة أو صغيرة. وهي لا تنتظر إملاءات أي طرف خارجي. وأي محاولة للزج بها في غير احترام اختياراتها المبدئية كدولة ذات سيادة، إنما يراد للانتقاص من حجمها ومكانتها.
لقد تسرب عن الأوساط الجزائرية أن نواكشوط «تجرأت على الجزائر» وهذا الفهم المتعالي لطبيعة العلاقات بين الدول لا مكان له في أبجديات الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل. فما هو ثابت أن دبلوماسيا جزائريا سرب معلومات غير صحيحة، سعت إلى إلحاق الضرر بالعلاقات المتميزة بين موريتانيا والمغرب، وأي بحث عن مبررات أخرى، خارج هذه الواقعة التي انتهكت الأعراف الدبلوماسية وقواعد الاحترام، إنما يراد للالتفاف على جوهر الأزمة.
فلماذا رغبت الجزائر في الإساءة إلى العلاقات الأخوية بين بلدين جارين؟ هذا هو السؤال الأهم. أما اللهاث وراء سراب خلافات المواقف حول أزمة مالي وغيرها من القضايا، فإنها لا تلغي رغبة الإساءة، ففي التعاطي وأزمة مالي ليس هناك ما يمنع إحدى دول الجوار من تجريب حظها في دعم خيار المصالحة بين الفصائل المتناحرة. والملف المالي ليس حكرا على الجزائر، إذ لو كانت نواياها سليمة لبادرت إلى الترحيب بأي مبادرة أو خطوة تصدر عن أي دولة، طالما أن الهدف هو إنقاذ دولة مالي من المأزق الراهن.
أما عن قصة ترويج المخدرات التي دأبت الجزائر على تحويلها إلى مشجب لاستمرار سريان إغلاق الحدود مع المغرب من طرف واحد، ومحاولة تبرير انتهاكها لأوفاق حسن الجوار، فقد أبانت الجزائر فعلا أنها تريد تشكيل «حلف» على قياس اتهاماتها المجانية، علما أن تقارير الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية وخبراء التنمية تؤكد أن المغرب يبذل جهودا مضاعفة لمعاودة استصلاح الأراضي الزراعية والقضاء على زراعة القنب الهندي. ولا معنى للاتهامات الجزائرية، إلا في نطاق التشكيك في هذه المجهودات لأهداف صارت معلومة، ويصعب التستر عليها.
أهم استخلاص تنم عنه هذه التطورات المؤسفة، هو أن السلطات الجزائرية لم تتعلم شيئا من دروس التاريخ ولا تريد استبدال نظرتها الشوفينية، فهي من خلال تأزيم علاقاتها مع الشقيقة موريتانيا إنما تضرب في العمق كل المساعي التي تبذلها الدول المغاربية، من أجل معاودة إحياء وتفعيل الاتحاد المغاربي. أقله لناحية التعاطي وفق رؤية جماعية وواقعية مع تداعيات الأزمة الليبية التي تهدد كافة دول المنطقة، ومواجهة مخاطر التطرف والإرهاب.
بهذا السلوك تبعد الجزائر نفسها عن الفضاء المغاربي، ويستحيل على دولة لا تريد حل مشاكلها العالقة مع الجوار المغربي والموريتاني أن تتقدم خطوات إيجابية في مساعي البناء المغاربي، فتأزيم العلاقات الثنائية يناقض التوجه الجماعي الإقليمي، وعزلة الجزائر تحت طائلة أوهام الزعامة، تفقدها روح المبادرة الخلاقة.
كانت موريتانيا محقة في موقفها، لأنه ينطلق من قاعدة جوهرية اسمها ممارسة السيادة. والمشكل قائم عند الذين لا زالوا يتصورون أن في الإمكان تحويل بلد بكامل سيادته وحريته واستقلاله إلى «مقاطعة» تابعة للنفوذ السياسي للجزائر، خصوصا وأن المراد من هذه التبعية تكريس نزعة الخلافات وإحكام العزلة ووضع المزيد من الأعباء التي تعيق تقدم المنطقة المغاربية في الاتجاه الصحيح.
الأزمة الجزائرية مع موريتانيا ليست أكثر من شجرة تخفي الغابة. ويتعين البحث في خلفيات التصعيد وتوقيته، فهو كاف للدلالة على أن هذا التأزيم كان مطللوبا، وإلا لاكتفت الجزائر بالرد بالمثل على القرار الموريتاني، من دون صب الزيت على النار
محمد الأشهب
المصدر : "فلاش بريس" (المغرب)