الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > بوادر أزمة «مفاجئة وغير متوقعة» تلوح في الأفق بين موريتانيا والجزائر

بوادر أزمة «مفاجئة وغير متوقعة» تلوح في الأفق بين موريتانيا والجزائر

الجمعة 1 أيار (مايو) 2015


بوادر أزمة دبلوماسية «مفاجئة وغير متوقعة» بين الجارتين موريتانيا والجزائر بدأت تلوح في الأفق، عقب الطرد المتبادل لدبلوماسيين من الجانبين، وقد بدأت إرهاصات هذه الأزمة بحديث بعض وسائل الإعلام المحلية قبل أيام عن احتمال قيام العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بزيارة موريتانيا دون تحديد موعدها، مشيرة إلى أن الخطوة إن تمت ستكون بمثابة عودة موريتانيا إلى «التخندق» في تيار المغرب على المستوى الإقليمي.

وبحسب مراقبين، فهناك ثمة مؤشرات ميدانية على التحول في علاقات الجزائر وموريتانيا نحو الأسوأ، أهم مظاهرها، تسارع وتيرة الزيارات الرسمية المتبادلة بين المغرب وموريتانيا الفترة الأخيرة، حيث تريد موريتانيا استرضاء المغرب على حساب علاقتها مع الجزائر.

وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، الاثنين الماضي، طرد المستشار الأول في السفارة الموريتانية، في أول رد فعل رسمي على قرار مماثل للسلطات الموريتانية ضد دبلوماسي جزائري على خلفية اتهامه بالوقوف وراء مقال نشر في إحدى الصحف الإلكترونية الموريتانية، يسيء إلى علاقات موريتانيا الخارجية، حيث تحدث عن شكوى موريتانية من المغرب إلى الأمم المتحدة؛ بسبب «إغراقها الحدود الموريتانية الشمالية بالمخدرات».

ورأى المؤرخ الموريتاني سيدي أعمر ولد شيخن أن من أسباب التصعيد المتبادل بين الجارتين وجود «جهود للتصالح بين المغرب وموريتانيا» بعد حوالي 3 أعوام من التنافر والاختلاف، مشيرا في حديث لوكالة الأناضول إلى أن الأخيرة تريد من «إهانة الجزائر بعث رسائل لاسترضاء المغرب».

واعتبر أن «التقارب الموريتاني الأخير مع السعودية يدعم في أعراف الدبلوماسية الموريتانية مستوى من التقارب مع المغرب، التي تتمتع بعلاقات تاريخية طيبة مع السعودية»، حسب رأيه.

وتحدثت وسائل إعلام موريتانية عن مؤشرات ما وصفته بعودة موريتانيا إلى «الحضن المغربي»، معتبرة أن العلاقات بين البلدين بدأت تأخذ منحى نحو التهدئة والتطبيع بعد حوالي ثلاثة أعوام من التنافر والاختلاف.

وبدأ مسار العودة إلى المغرب مع تولي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الحكم لولاية ثانية في يوليو/تموز 2014، حيث أوفد ولد عبدالعزيز وزير خارجيته السابق أحمد ولد تكدي برسالة إلى العاهل المغربي قبيل تنصيبه.

كما تسارعت وتيرة الزيارات بين مسؤولي البلدين لاحقا، بدءا بزيارة وزير الداخلية الموريتاني محمد ولد محمد راره للرباط، وتوقيعه اتفاق تعاون أمني مع نظيرة المغربي منتصف أكتوبر/تشرين ثان الماضي، وبعدها بأقل من أسبوعين كان وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار في نواكشوط بهدف «إعادة الدفء للعلاقات بين البلدين».

وكانت العلاقات بين المغرب وموريتانيا قد شهدت تدهورا في الماضي، فقد طردت موريتانيا مراسل وكالة المغرب للأنباء عبد الحفيظ البقالي نهاية العام 2011 بتهمة التجسس، كما لم يتم استقبال رسمي لوزير الدولة المغربي وقتها عبدالله باها، خلال زيارته لموريتانيا بدعوة من بعض الأحزاب الموريتانية، لتصل العلاقات إلى أسوأ مراحلها بعد ما تردد محليا عن وقوف المغرب وراء محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الموريتاني في 13 من أكتوبر/تشرين الأول عام 2012.

وفي المقابل، تعززت صلات الجزائر وموريتانيا على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة بشكل كبير جدا، خاصة في المجال الأمني بعد تنشيط أداء قيادة أركان جيوش منطقة الساحل التي تتولى مسؤولية تحليل الوضع الأمني وتبادل المعلومات والخبرات حول التطورات الأمنية والعسكرية على مستوى المنطقة، بحسب المحلل سيدي المختار ولد سيدي محمد.

وأضاف ولد سيدي محمد أن الجزائر ستفقد جراء الأزمة الدبلوماسية الأخيرة «حليفا مهما في المنطقة»، معتبرا أنها نجحت على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة في الاستقواء بموريتانيا في عدة ملفات بالمنطقة، من أهمها ملف إقليم الصحراء، حسب قوله.

ويسود التوتر العلاقات بين الجزائر والرباط منذ عقود بسبب النزاع على إقليم الصحراء، وتأخذ الرباط على الجزائر دعمها لجبهة البوليساريو التي تحارب من أجل استقلال هذه المستعمرةالإسبانية السابقة التي ضمها المغرب عام 1975. كما أن الحدود لا تزال مغلقة بين البلدين منذ عام 1994، كرد فعل السلطات الجزائرية على فرض الرباط تأشيرة الدخول على رعاياها بعد اتهام الجزائر بالتورط في تفجيرات استهدفت فندقا بمراكش.

غير أن ولد سيدي محمد رأى أن تباين المواقف في القضايا الإقليمية بين البلدين ظهر قبل حوالي 4 أشهر، و ذلك عندما اتضح أن الموقف الموريتاني الداعم للتدخل الأجنبي بليبيا لم يكن متناغما مع الموقف الجزائري، الذي يرفض التدخل العسكري، لافتا إلى أن الجزائر عبرت عن ذلك بإصدارها بيان يعارض التدخل العسكري بليبيا بعد دعوة دول الساحل الخمسة (موريتانيا، النيجر، مالي، تشاد، بوركينا فاسو) في قمتهم الأخيرة نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014 في نواكشوط لتدخل عسكري في ليبيا.

ورأى الباحث الموريتاني أن التصعيد الدبلوماسي يأتي في توقيت «حساس» بالنسبة للجزائر، حيث ستفقد حليفها الموريتاني في دعم جهود الوساطة «المتعثرة»، التي ترعاها الجزائر بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة بإقليم أزواد في مالي.

ولفت في هذه النقطة إلى أن موريتانيا لعبت دورا حاسما في تحويل مسار رعاية المصالحة بين الفرقاء الماليين للجزائر، وكانت تدعم بقوة انتقال «دور الوسيط» من بوركينا فاسو للجزائر وقامت بجهود كبيرة لقطع الطريق على مطامح المغرب الساعية لإيجاد موطئ قدم في موضوع المصالحة المالية، حسب قوله.
ورأى ولد سيدي محمد أن الأزمة الدبلوماسية الراهنة لا تخدم المصالح الأمنية المشتركة للبلدين، باعتبار الخطر الذي تشكله الجماعات المسلحة والتي تنشط في فضاءات إقليمية قريبة من البلدين.
واعتبر أن الهزة التي تمر بها علاقات البلدين حاليا ستضر كثيرا «جهود التقارب الدبلوماسي»، التي أثمرتها شراكة البلدين في عدة مجالات على مدار الأعوام الأخيرة، معتبرا أن هذه العلاقات شهدت تحسنا «ملحوظا» على مختلف الأصعدة الأمنية والتجارية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، حسب قوله.
وشهدت السنوات الثلاثة الأخيرة زيادة في حجم الاستثمارات الجزائرية في موريتانيا خصوصا في مجال الطاقة حيث تملك شركة النفط الجزائرية «سوناتراك» نسبة 40% من مشروع استخراج النفط من حوض تاودني في الشمال الموريتاني والذي تشرف عليه شركة «توتال» الفرنسية، بالإضافة لسعي البلدين لإقامة مشاريع شراكة استراتيجية بين المتعاملين الاقتصاديين ورجال الأعمال وفق مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات الاقتصادية المتوفرة التي من شأنها أن تساهم في ترقية التعاون الجزائري – الموريتاني.

وأظهرت الحركة الدبلوماسية النشطة بين الدولتين قدرة الجزائر على التأثير في مجريات الوضع السياسي الموريتاني على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، حيث اعتبر مراقبون أن الجزائر كان لها دور كبير في إسناد الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي لموريتانيا العام الماضي.

"الأناضول"