الصفحة الرئيسية > ثقافة > المركز الثقافي بنواكشوط.. صرح يظهر عظمة الحضارية المصرية
المركز الثقافي بنواكشوط.. صرح يظهر عظمة الحضارية المصرية
الأحد 22 آذار (مارس) 2015
يعتبر المركز الثقافي المصري في نواكشوط صرحا ثقافيا وحضاريا هاما في قلب العاصمة الموريتانية فهو أكبر مركز ثقافي وأعرق مركز أمر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بافتتاحه في مطلع ستينيات القرن الماضي.
ويقع المركز في قلب العاصمة الموريتانية على شارع جمال عبد الناصر الذي يربط المطار بشاطئ الأطلسي القريب من المؤسسات التعليمية ومن مباني المصالح الخدمية المختلفة.
ويرفرف العلم المصري خفاقا على المبنى الذي يوليو الموريتانيون احتراما كبيرا ويعتبره صناع القرار اليوم أبرز سند لهم بسبب دوره في مساعدتهم على استعادة الهوية ويعلق أحد الأساتذة بالقول: لولا هذا الصرح لكنا اليوم مثل بعض الدول التي تسيطر عليها اللغة الفرنسية.
ويؤكد أحمد ولد حبيب الله أستاذ الأدب في جامعة نواكشوط وخريج جامعة القاهرة أن الرئيس الموريتاني الأسبق مختار ولد داداة قال للزعيم الخالد جمال عبد الناصر في مطلع ستينيات القرن الماضي خلال قمة أفريقية إن اللغة العربية في موريتانيا مهددة وليس لها سواك. ويضيف أن عظمة الحضارة المصرية جعلت عبد الناصر يستجيب على الفور ويوفد بعثة افتتحت المركز في فبراير من عام 1964 وموريتانيا يومها لم تدخل بعد الجامعة العربية.
ويثني الأكاديمي الموريتاني كغيره من أساتذة الجامعات الموريتانية على الدور الريادي المصري في بلاده، مؤكدا أن مصر هي التي دعمت التعريب من خلال هذا الصرح ومن خلال بعثات من الأساتذة كان لهم دور كبير في ترسيم الهوية العربية لموريتانيا ويعتبر أن مدير المركز الدكتور نشأت ضيف أعاد للصرح الثقافي بعضا من تألقه.
رواد المركز:
عند مدخل المركز يتفاجأ القادم بحركة لا تتوقف من موريتانيين وبعض أبناء الغرب الإفريقي الذين يترددون على المركز منهم مجموعة من طلاب الدورات التعليمية التي يقدمها المركز لغير الناطقين باللغة العربية وهم مجموعة من أبناء الغرب الإفريقي يمنحهم المركز إفادات تساعدهم في دخول سوق العمل في الهيئات العربية.
ويعتقد الدكتور نشأت ضيف مدير المركز الثقافي المصري في نواكشوط أن المركز أسهم خلال العقود الماضية في إرساء تقارب شديد بين مصر وموريتانيا، ويؤكد المسئول الثقافي المصري أن من شأن هذا الصرح تفعيل التعاون بين الجامعات وهو الأولوية التي يركز عليها من بين أمور أخرى ويقول إنه اندهش خلال أول لقاء بين الجامعات المصرية الموريتانية حينما تفاجأ بكل الاحترام والتقدير الذي يوليو الطلاب وأساتذة الجامعات لكل ما هو مصري ويضيف ما زاد دهشتي هو وصف أحد أساتذة الجامعات الموريتانية اللقاء بأنه تاريخي.
فكيف نفسر كل هذا الغياب المصري عن جامعات موريتانيا وهي السند القوى للدولة المصرية في غرب وشمال أفريقيا لقد تأسفت كما تأثرت كثيرا لذلك يضيف المسئول الثقافي المصري:" في نواكشوط لا تكاد تمر نشرة ثقافية في محطة إذاعية أو قناة تليفزيونية إلا وللمركز حظ وافر منها حتى صناع القرار يجمعون بمختلف مشاربهم على دور هذا الصرح في دعم بلادهم ومواصلة المشوار.
آلاف الرواد ينهلون من العطاء المصري:
تشير الإحصاءات الرسمية في المركز الثقافي المصري إلى استفادة عشرات الآلاف من الموريتانيين من المراجع والكتب التي يوفرها المركز. وفي قاعة المطالعة تغص القاعدة بالرواد الذين يتوزعون بين طلاب الجامعات والمعاهد بنسبة 90% والباقي من طلاب الثانويات والزوار من بينهم الكثير من أبناء غرب ووسط أفريقيا ضمن أقليات ثقافية ناطقة باللغة العربية في هذه الدول وهم مولعون بالثقافة المصرية وطموح الكثيرين منهم هو زيارة الأزهر الشريف والعودة إلى بلدانهم ناهين من العلوم العربية والإسلامية من أكبر مرجعية دينية في العالم.
ويقول أمين عبد الله، وهو شاب في العشرينيات من العمر، إنه يعمل في تدريس الرياضيات في بعض المدارس الخاصة ويأتي بعد الظهر إلى قاعة المطالعة لتعميق مصادره المعرفية وأن كل ما يتمناه هو أن تفتتح الدولة المصرية مركزا ثقافيا في بلاده جمهورية مالي أو يوفق في زيارة الأزهر الشريف للتسلح بمعارف من الدين الوسطي ستكون صمام أمان لمواجهة الغلو والتطرف المنتشر في شمال بلاده.
أولاد حارتنا يحطم الرقم القياسي في المطالعة:
"أولاد حارتنا" أكثر الكتب طلبا في قاعة المطالعة بالمركز الثقافي المصري في نواكشوط حيث لا توجد سوى ثلاث نسخ من ابداعية الكاتب العالمي الكبير نجيب محفوظ وهو ما جعل الرواد يتسابقون إلى الحصول على إحدى النسخ قبل أخرين.
ويقول محمد (18 عاما) وهو طالب في هندسة نواكشوط إن من لم يحضر قبل افتتاح المركز لن يستطيع يومها أن يحظى بقراءة الكتاب الذي يصفه بالقمة الإبداعية.
في قاعة المطالعة يتوزع إقبال الموريتانيين بين الشعر العباسي عند الدكتور عز الدين إسماعيل ودواوين شعرية من أبرزها ديوان أبو الطيب المتنبي وغيرها من القامات الأدبية التي تجد جمهور واسعا في عاصمة بلاد المليون شاعر.
كما يلقى كتاب "المزهر" في علم اللغة للسيوطي، ومصر الفرعونية لأحمد فخري، و"الإعلام والاتصال" لإبراهيم إمام، و"الإعلام العربي وقضايا الإرهاب" لعبد الرحيم على دورها من بين آلاف العناوين التي تزخر بها مكتبة المركز.
متحف مصري يجذب السياح في نواكشوط:
يجذب الفن المصري بعض السياح الاوربيين والآسيويين في عاصمة موريتانيا ففي المركز قاعة متحف تضم مجموعات نادرة من الإبداعات الإسلامية والفرعونية تستنطق الماضي المصري التليد منذ ما قبل التاريخ وحتى العقود الإولى لثورة 23 يوليو المجيدة.
وتتوسط هذه الآثار مجسم للملكة الفرعونية الشهيرة نفرتيتي وبجانبها مجسمات لبعض ملوك الأسرة الفرعونية الأربعة والعشرين.
كما يجد الزائر بعض اللوحات التي تجسد الحضارة الإسلامية وتفننت أنامل المبدعين في نحتها بشكل مبهر أثار حفيظة المهتمين بالفن في موريتانيا.
ويتمتع الرواد بالوقوف على لوحات لمسجد ابن طولون ومسجد محمد على ولوحات اأرى تبرهن على المستوى الراقي الذي بلغته الدولة المصرية في عصر الدولة الفاطمية.
وتحكي لوحات أخرى الشارع الذي اشتهر باسم عزيز على قلوب الموريتانيين وهو شارع ارتبط اسمه عند بعضهم بالقاهرة حيث لا يزالون يطلقون عليها عاصمة المعز لدين الله الفاطمي.
وتجسد تلك الإبداعات مدى الرقى والتطور الذي وصلت إليه الحضارة المصرية الإسلامية والفرعونية وكيف كان أبناء تلك الحقب يقدرون ويشجعون الفنون باختلاف أنواعها وقدرتها على احتواء الثقافات الأخرى.
ويعد المتحف الآثري بالمركز الثقافي المصري في نواكشوط أحد أهم معالم الحضارة المصرية في الغرب الإفريقي ورافدا أساسيا في تشجيع وتعريف الموريتانيين والأجانب بعظمة الدولة المصرية وكيف أنها واحدة من أبرز الحضارات إن لم تكن أبرزهم وفق بعض أساتذة الجامعات الموريتانية.
ولوحظ اهتمام غير مسبوق منذ مطلع العام الجاري للمتحف المصري داخل المركز وأصبح القائمون عليه يولونه بعناية فائقة من خلال المحافظة على التحف الإسلامية والفرعونية ويقيمون لها رعاية خاصة ويقبل أبناء المدارس والجامعات الموريتانية بشكل ملحوظ وطيلة أيام الأسبوع ما عدى الجمعة على هذه التحف التي تنقل وفق المختصين صورة حية للموريتانيين عن العصور الإسلامية بدءا من ظهور الإسلام مرورا بالخلفاء الراشدين والدولة الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية وحتى ثورة 23 يوليو الخالدة.
أ ش أ