الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > بالصور.. كتاتيب "صحراوية" في موريتانيا

بالصور.. كتاتيب "صحراوية" في موريتانيا

الأحد 1 آذار (مارس) 2015


على بعد نحو 900 كم شرق موريتانيا وفي إحدى القرى النائية بولاية الحوض الغربي يفترش الصغار الأرض ويلتحفون السماء بعد يوم ماطر وهم يحملون "ألواح" الدراسة الخشبية في العراء أمام كوخ هو عبارة عن "محظرة" القرية ويفتقر لأدنى المقومات، أمل ذويهم الوحيد هو أن يحظى أبناؤهم بتدريس القرآن والعلوم الشرعية، وأن يستمروا في ذلك مهما كانت ظروف سكان القرية ومهما تقاعست الجهات الحكومية عن تقديم الدعم لتربية النشء على الطريقة التقليدية التي ميزت بلاد شنقيط عن غيرها من البلدان على مر العصور.

لا أحد يأمل في تحرك الجهات الرسمية أو تقديم مساعدات منها لعدم التعليم "المحظري" او ما يعرف بالكتاتيب في الأرياف، ولم يسجل التاريخ الطويل للقرية ولـ "محظرتها" أي تدخل حكومي لبناء مقر لائق أو توفير راتب شهري للقائمين على تدريس الصغار في أنحاء كثيرة من موريتانيا.

بهذه الكلمات يعبر "الداه ولد سيداتي" القائم على التدريس بمحظرة قرية "أكدرنيت" في عمق صحراء الموريتانية ببلدية (أم لحياظ) التابعة لولاية الحوض الغربي قائلا لمراسل ـ مصر العربية ـ إن واقع التعليم "المحظري" في القرية سيء نتيجة تجاهل القائمين على تسيير الشأن العام للقرية وسكانها وتقصيرهم الواضح في تقديم يد العون للكتاتيب التي تعد أبرز منهج تعليمي متبع بشكل واسع في البلد.

ويضيف ولد سيداتي أن "محظرة" القرية تأسست نهاية ستينيات القرن المنصرم ولا تزال تقاوم الزمن رغم هشاشة الوضع وغياب الدعم، معتبرًا أن جهود السكان المحليين رغم تواضعها تنعش الكتاتيب وتمنح المزيد من فرص التعليم للأجيال، لكنها بحاجة إلى لفتة من السلطات من أجل تولي صرف راتب المدرس، وبناء محظرة عصرية، وتشجيع السكان على ما بذلوا من جهود للحفاظ على بقاء "المحظرة رغم الواقع السيئ".

ذكريات التأسيس

في بداية ستينيات القرن المنصرم وبالتزامن مع وضع سكان قرية "أكدرنيت" لعصا الترحال في صحراء تصعب فيها مظاهر الحياة الكريمة لقسوتها، وندرة مياهها، حمل شيوخ القرية مسؤولية مواصلة التعليم "المحظري" الذي كان سائدًا حينها بقوة وأسسوا "محظرة" للقرية منذ تلك الفترة وهي لا تزال تقدم الخريجين من حفظة القرآن والمُتون الفقهية.

غير أن التجاهل الرسمي ما زال على أشده ليتوسع إلى أشكال مختلفة ومتعددة أبرزها سوء التعليم المدرسي، وغياب أي رقابة على المعلمين الذين توفدهم وزارة التعليم الأساسي لسكان المناطق الريفية، ولم يقدموا لأبنائها أي جديد، مكتفين في الغالب بالمحافظة على الحضور لأكثر من أسابيع وخاصة عند سماعهم لإيفاد بعثات تفتيش ليختفوا بعدها ويتركوا الصغار فريسة لثنائية "الجهل والبعد عن الحياة العصرية" التي تعتبر المدارس أهم منقذ منها.

ويرى "باديد ولد المانه" أحد أبناء قرية "اكدرنيت" أن "المحظرة" بحاجة لدعم رسمي عاجل تلتزم من خلاله الجهات المسؤولة على التعليم "المحظري" ممثلة في (وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي)، بتوفير راتب للمدرس، وبناء مقر للطلاب الدارسين وتهيئ ظروفًا مناسبة لتعليم القرآن والعلوم الشرعية التي تدرس عادة من خلال الكتاتيب في موريتانيا.

وأكد "المانه" لـ ـ مصر العربية ـ أن الدولة ترعى العديد من "المحاظر" في العاصمة نواكشوط، وبعض المدن الكبرى، لكنها تتجاهل في الوقت ذاته مستقبل الآلاف من أبناء الأرياف من خلال رفضها لتقديم المساعدات لهم من أجل أن يحافظوا على طريقة التعليم التقليدي التي آتت أكلها في عموم البلاد منذ مئات السنين.

نشأة المحاظر الموريتانية..

ترجع نشأة التعليم المحظري أو التدريس في الكتاتيب بموريتانيا إلى عدة قرون، حيث دأب الموريتانيون على تعليم أبنائهم في مدارس تطوعية مفتوحة في الصحراء التي كانوا يستوطنون بها قبل نشأة الدولة، حيث تدرس القرآن والفقه وكل أشكال الفنون والمعارف الإسلامية وذاع صيتها، ومعه اشتهر أهل بلاد شنقيط أو أرض المنارة والرباط بالعلم والتعليم.

ويرى العديد من الدارسين لشأن "المحاظر" أنها تأسست مع دخول الإسلام إلى هذه المنطقة أواسط القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، وكان ليوسف بن تاشفين دورًا بارزًا في اطلاق الإشعاع "المحظري" بموريتانيا والدفع بالفقهاء والعلماء من أجل تدريس الأجيال التي أصبحت في ما بعد وريثا شرعيا للتعليم المحظري ليتخرج العديد من العلماء الأجلاء من هذه الكتاتيب التي كانت تطوعية بشكل صرف.

ولم تختفِ المحاظر بل ظلت تقدم المعارف للأجيال جيلا بعد جيل، حتى انتشرت بشكل لافت مع ظهور المدينة وتوجه سكان الصحراء إلى المدن لتأخذ المحظرة أبعادا جديدة مختلفة ومتنوعة في تخريج الأجيال وتدريس الفنون الإسلامية بمختلف أشكالها".

ويرى الصوفي بن محمد الأمين في كتابه "المحاظر الموريتانية وآثارها التربوية في المجتمع الموريتاني" أن كلمة "محظرة" تعني المدرسة القائمة على شيخ واحد يدرس أغلب فنون الشريعة واللغة، وقد عرفها بعض الدارسين بأنها مؤسسة تعليمية عالية يقودها عالم في فن واحد أو عدة فنون، يسهر عليها وعلى طلابها أخلاقيا وأدبيا وماديا حسبة منه لوجه الله تعالى).

المصدر : "مصر العربية"