الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > موريتانيا..استقطاب واحتقان ودعوات للحوار

موريتانيا..استقطاب واحتقان ودعوات للحوار

الأربعاء 7 كانون الثاني (يناير) 2015


موريتانيا على أبواب انتخابات جديدة وأزمة متجددة بين الحكومة والمعارضة، ليس من المقدر أن تكسر حدتها إلا بتوافق على أسس ومبادئ الحوار

عامر راشد

دعوة أخرى للحوار أطلقها الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، وأكد فيها استعداده التام للحوار مع المعارضة، قبيل إجراء الانتخابات التي سيتم فيها تجديد ثلثي عضوية مجلس الشيوخ، في آذار (مارس) القادم، يشارك فيها أعضاء المجالس البلدية حصراً. وقابلت غالبية أحزاب المعارضة دعوة الرئيس ولد عبد العزيز بالرفض،معتبرة أنها كالدعوات التي سبقتها غير جدية، وتهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية للنظام وتمرير أجندة أحادية خاصة به.

كما رفضت أحزاب المعارضة، الممثلة في "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" الذي يضم 17 حزباً معارضاً، إجراء انتخابات مجلس الشيوخ لأنها من وجهة نظر المعارضة "تكرس الطابع الأحادي من النظام"، بحرمان الأحزاب التي لم تشارك في الانتخابات السابقة من المشاركة في الانتخابات القادمة، ولجوء الحكومة إلى صناديق الاقتراع على نحو آلي وشكلي، بدل البحث عن حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال حوار بناء ومنفتح، يستند إلى احترام التعددية والحريات العامة، وضمان إجراء انتخابات عامة تتصف بالنزاهة والشفافية.

ومن الملاحظ أن الدعوات الرسمية للحوار مع المعارضة تطلق عادة على أبواب الانتخابات، وتتجدد بعد الانتهاء من عمليات الاقتراع، رغم أن غالبية مكونات المعارضة قاطعت الانتخابات التي أجريت منذ عام 2011، بما فيها الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، والانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) 2014، وشككت في نزاهتها، وتبعاً لذلك أحجمت لاحقاً عن الاستجابة لدعوات الحوار، التي أطلقها الرئيس شخصياً ورئيس الوزراء، بالإضافة إلى دعوات من قبل أطراف في المعارضة شاركت في الانتخابات خلافاً لمواقف باقي قوى المعارضة.

يذكر أن الأزمة السياسية متواصلة في موريتانيا، منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس محمد ولد بن عبد العزيز، في آب (أغسطس) 2008، ضد سيدي محمدولد شيخ عبد الله أول رئيس منتخب للجمهورية، على خلفية إقالته لعدد من كبار ضباط الجيش لتدخلهم في الحياة السياسية، من بينهم الرئيس الحالي ولد عبد العزيز الذي كان يشغل حينها منصب قائد الحرس الجمهوري. واستغل العسكر حينها القرارات غير الشعبية التي أقدم عليها ولد شيخ عبد الله، وإضعاف قاعدته السياسية بالصراع مع مكونات رئيسية في المعارضة.

ولم تستطع موريتانيا، منذ استقلالها عن الاحتلال الفرنسي عام 1960، أن تحقق استقراراً سياسياً، وظلت عرضة للانقلابات العسكرية. الانقلاب الأول قاده العقيد المصطفى ولد السالك عام 1978ضد الرئيس المختار ولد داده، في فاتحة لسلسلة من الانقلابات، حيث قاد العقيد محمد ولد لولي انقلاباً عام 1979على ولد السالك، الذي بدوره انقلب عليه العقيد محمد خونة ولد هيدالة عام 1980، وقاد العقيد معاوية ولد سيدي احمد الطايع انقلاباً عام 1984، وأزيح الطايع بانقلاب عام 2005 قام به العقيد أعلي ولد محمد فال، والانقلاب الأخير قام به الرئيس الحالي ولد عبد العزيز ضد الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

ووقفت خلف الانقلابات قوى إقليمية متصارعة، وبرز في العديد من المحطات السياسية التي عاشتها موريتانيا ثقل تدخلات فرنسا، الدولة المستعمرة سابقاً، مما أبقى موريتانيا بعد الاستقلال ساحة للصراع على النفوذ الجيوسياسي بين قوى إقليمية ودولية، انعكس على الداخل الموريتاني في صراعات سياسية دون أفق، لهشاشة بنية النظام السياسي، وقوة نفوذ العسكر، وانقسام المعارضة على نفسها، وضعف بنية المجتمع المحلي ومستوى تطوره، والتأثير السلبي للعلاقات المجتمعية القبلية والإثنية.

إن ما تحتاجه موريتانيا حل جذري للمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، برؤية موحدة بين الحكومة والمعارضة لإعادة بناء الدولة الموريتانية، بركائزها الرئيسية السيادية، حتى يتم التصدي للفساد السياسي الذي أدى إلى تراجع مؤسسات الدولة بشكل متواصل منذ الاستقلال، والخروج من ثنائية سطوة المؤسسة العسكرية وتأثير الزعامات التقليدية المتنفذة، والولاءات القبائلية القبلية والإثنية النفعية، التي ساهمت في إفساد الحياة السياسية والمجتمعية.

ومن هذه الزاوية المعارضة محقة بطلبها أن يتم وضع أسس واضحة للحوار، لإحداث التغيير المطلوب، الذي يبدأ بتنفيس الاحتقان السياسي، والعمل على معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما تكفله خطوات بناء ثقة بين السلطة والمعارضة، باتفاق الطرفين على حلول توافقية، تستجيب لخيارات الشعب الموريتاني.

المصدر : "صوت روسيا"