الصفحة الرئيسية > الأخبار > مجتمع > الفنّ وأهله منبوذون في موريتانيا

الفنّ وأهله منبوذون في موريتانيا

الأربعاء 25 حزيران (يونيو) 2014


إذا كان لقب مطرب أو ممثّـل غايةً يطمح كثيرون إلى تحقيقها، فإنها آخر ما يمكن أن يفكّر فيه الموريتانيون الشبّان، لنظرة مجتمعهم للفن،ّ وتشدّد القبائل والفقهاء في رفض الفنانين وازدرائهم.

وبسبب سلطة المجتمع البدوي أعرض الشباب الموريتاني عن دخول المجال الفني، رغم مواهبهم التي ظهرت على مسارح المدارس والجامعات، وفضّلوا طمس مواهبهم حتى لا تتضرّر سمعة عائلاتهم.

ويواجَه الفنّ بـ"فيتو" شرعي واجتماعي قويّ في موريتانيا، منع المواهب من الظهور، وفسح المجال للفنانين الشعبيين لاحكام سيطرتهم على الساحة الفنية، رغم ضعف موهبتهم وتكاسل بعضهم، لغياب المنافسة الجديّة.

واستأثرت قضية الشيخ عليين ولد همت، إمام مسجد "دار النعيم" في العاصمة نواكشوط، أخيراً باهتمام الشارع الموريتاني، بعد رفض المصلّين الصلاة خلفه، لأنه شارك في مسلسل درامي، وقد رفض الدعاة مساندته.

واتهم بعض المتشدّدين الإمام ولد همت بالزندقة والكفر، وشكلوا لجاناً رابطت أمام المسجد لتشويه سمعته ومنع المصلين من الصلاة خلفه، بداعي أنّ التمثيل مناف للورع والدين. ولا يزال الامام ولد همت الذي شارك في مسلسل "بنت الناس" يرفض الخضوع لرغبة معارضيه، ويصرّ على إمامة المصلّين، رغم أعدادهم القليلة.

ويرفض الموريتانيون تزويج بناتهم من فنانين لعدم تكافؤ النسب، فهم يعتقدون أنّ الفنّ مهنة الطبقة الاجتماعية الأقلّ شأناً. إذ تطغى على المجتمع الموريتاني تراتبية اجتماعية تصنّف القبائل والعشائر إلى صنفين: "العرب" الذين حاربوا وامتلكوا السلطة، و"الزوايا" وهم أهل علم وورع، ويتقاسم العرب والزوايا العبيد و"المعلمين" (وهم أصحاب الحرف اليدوية) و"إيكاون" وهم الذين احترفوا الغناء والطرب وكانوا في العصور الماضية يعيشون متنقلين بين القبائل المحاربة مادحين مكتسبين، ومنهم يخرج حالياً الفنانون الذين يحترفون الغناء.

وفي حالات قليلة حدث فيها ارتباط بين فتاة عربية وفنان، تدخّلت القبيلة بثقلها لإنهاء هذا الزواج، كما حدث مع الفنان ياسين ولد النانه، الذي تزوّج من فتاة من عائلة معروفة وأرغم على تطليقها لعدم تكافؤ النسب.

ويواجه الفنّ رفضاً شرعياً قوياً يتمثّـل في تجريم التمثيل، حيث يعتبر الفقهاء والعلماء التقليديون الذين يملكون سلطة قوية في هذا المجتمع البدوي أن التمثيل لا يجوز، لأنّه نوع من أنواع الكذب وتدخل فيه الغيبة والهزء والسخرية.

ويقول الباحث الاجتماعي، محمد عالي ولد البخاري: إنّ الموريتانيين يخجلون من إظهار ميولهم الفنية بسبب النظرة الاجتماعية للفنّ في موريتانيا، فهو في نظرهم مناف للورع والالتزام الديني ومسيء للمكانة الاجتماعية، ومهما حقق المرء من نجومية وشهرة، فإنه يبقى منبوذاً من قبيلته وعائلته". ويضيف: رغم تأثير الحياة العصرية في المجتمع وأسلوب العيش لا يزال الموريتانيون يحترمون هذا العرف، ويتساوى في ذلك الذين اختلطت طفولتهم برمال الصحراء ونخيلها، أو الذين هاجروا مع آبائهم وعادوا بعد سنين الغربة إلى البلاد.

ويشكل رفض المجتمع للفنّ أحد أهم الأسباب الرئيسية لتوجّه الموريتانيين للشعر لتعويض الحرمان من الفن بالشعر، الذي يقدّره المجتمع الموريتاني، والذي يؤمن لصاحب الموهبة التعبير والتمثيل والغناء وقت نَظْم القصيدة وحين إلقائها.

ويقول الناقد الفني سيدي محمد ولد المحجوب "لا يمارس الفن في موريتانيا إلا من ينتمي لشريحة "إيكاون". أما أبناء القبائل العربية المحاربة والأكثر نفوذاً وسلطة فلا تملك الحق في دخول المجال الفني لأنها تفقد احترامها ومكانتها الاجتماعية حسب الأعراف القبلية التقليدية التي لا تزال تتحكّم في المجتمع الموريتاني".

ويؤكد الناقد بأنّ تأثير هذه النظرة انعكس على مستوى الأغاني المتواضعة الرائجة في الساحة، كما غابت الأعمال الدرامية الناجحة بسبب استهلاك الأبطال والممثلين في أداء أغلب الأدوار، وينطبق الأمر على الصناعة السينمائية والانتاج الفني اللذين يعانيان من العشوائية والسطحية والارتجال.

ويشير الى أن الوقت حان لعلاج التهميش والازدراء والتجاهل الذي يعاني منه الفن في موريتانيا، بتوعية المجتمع وشرح رسالة الفن ودراسة التحفّظات الاجتماعية التي تسبّبت في جمود وانغلاق الساحة الفنية.

ويرى أنّ المبادرة يجب أن تأتي من النخبة المثقّفة والشباب لكسر هذا الحاجز والمشاركة في صناعة الفنّ، إضافة إلى دور الدولة في خلق معاهد لتدريس الفنّ والموسيقى والتمثيل.

المصدر : "العربي الجديد"