الصفحة الرئيسية > رأي > إنتخابات موريتانيا : هل أعاد التاريخ نفسه ؟
إنتخابات موريتانيا : هل أعاد التاريخ نفسه ؟
الاثنين 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
بقلم : د. سيدي حمادي
كانت المعارضة الموريتانية ، المنطوية تحت لواء المنسقية ، قد قررت منذ سنتين ونيف على أن تتحد وتبذل قصارى جهدها من أجل هدف واحد : الاطاحة بحكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، وأكدت العزم على ذالك ووثقت المواثيق وابرمت العهود... وكان الربيع العربي من الأسباب التي جعلت الساسة المحنكين لا يرضون إلا بالرحيل من باب ما نحن إلى من غزية إن ثارت ثرنا و إن تسلم غزية نسلم... ثم دارت الرياح بما لا تشتهيه سفن المنسقية ، وانتج الربيع العربي اعصاراً دمر كل شي حتى أحلام الشعوب... ولأن موريتانيا ليست تونس ولا مصر ، رقم أنف مسوقي الديمقراطية الذين لا يملكون منها مثقال ذرة ، أصبح مطلب الرحيل مجرد شعار وذلك لاسباب من أهمها حداثة حكم الرئيس المطولب رحيله ، والتركيبة الاجتماعية للشعب الموريتاني ، والسند القوي من دول عظمى كفرنسا وامريكا لسياسة أمنية قوية في موريتانيا ، وصيانة الحريات العامة...
وعندما ظهر أن الرحيل ليس في أروقة السياسة الحالية ، أصبح من الصعب تفادي المصير المحتوم للمنسقية ، لتحذو حذو جبهة الدفاع عن الديمقراطية وكأن التاريخ في موريتانيا يعيد نفسه بطريقة مملة . وعند ذلك بدات السياسة تنخذ حقها وبدا كل حزب يقوم بحساباته طبقاً لمصالحه الذاتية ، وبدات الاختلافات العميقة بين مكونات المنسقية تظهر على السطح ، بعد أن أعلنت السلطات موعد الإنتخابات المحلية والبرلمانية بعد سنتين من موعدهما الدستوري. فتباينت مواقف أقطاب المنسقية الثلاثة : زعيم المعارضة أحمد ولد داداه قرر المقاطعة ، ليواصل في نفس النهج الراديكالي ، وبينما قرر حزب "تواصل" المشاركة ، أراد حزب اليسار أن يسلك طريق الوسط فشارك ثم قاطع ثم شارك ليقرر في النهاية المقاطعة رغم ضغط بعض قياداته لما سيخسرون من مناصب ومقاعد كانت لهم مضمونة . أما حزب "تواصل" فلقد اتخذ قرار المشاركة في ظروف أصبحت صعبة لحركة اخوان المسلمين في العالم ، مع الاطاحة بمرسي في مصر ، وإبتعاد "طلائع النصر" في سورية ، وفشل حكومة النهضة في تونس ، والعلاقات المتوترة مع السعودية... فأصبح الظرف ضيقاً لا يتحمل إلا الليونة والتعامل مع الواقع.
وكان حزب "تواصل" قد إتخذ قرار المشاركة في الصيف الماضي واراد تمرير قراره هذا من خلال حوار شكلي مع الوزير الأول كانت نتيجته معروفة مسبقاً. ففي الوقت الذي كانت الوفود تتباحث عن صغة توافقية لتنظيم الإنتخابات ، كانت لجنة الإنتخابات ، بتزامن محكم ، تعين لجانها ، وتقوم بمهامها وكانها ليست معنية بشئ... لم يُحترَم حتى الشكل ، لأن الكل يعرف تماماً مصير هذا "الحوار".
وفي النهاية أكد الحزبان المتبقيان في "حلف الرحيل" ، وزعيميهما أحمد ولد داداه ومحمد ولد المولود ، انهما يقاطعان الإنتخابات لانها لن تكون نزيهة وعادلة ، وجزما بعدم استقلالية لجنة الانتخبات. جل أعضاء هذه اللجنة مقربين من دوائر الحكم والبعض القليل محسوب على قطبي المعارضة المعروفة بالمعتدلة والقريبة هي الأخرى من دوائر الحكم. لا يوجد من الأعضاء المؤثرين في اللجنة شخصيات على الأقل مستقلة ناهيك عن شخصيات معارضة. فالجزم باستقلالية هذه اللجنة لا يكون إلا جزافاً. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ومنذ إعلان السلطات عن موعد الإنتخابات ، ظهرت تجاوزات كثيرة كنا قد عهدناها زمن معاوية ولد الطايع ، كتسجيل مواطنين في دوائر إنتخابية لا يسكنون بها ، خلافاً صريحاً للقانون الذي من المتوقع أن تسهر لجنة الإنتخابات على تطبيقه. ولا تتحرك اللجنة إلا إذا قام مسعود ولد بلخير أو بعض أقطاب المعارضة المشاركة بطلب ملح ، أو ، إذا تعثرت الامور ، بلقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
في هذه الأجواء قام الحزب الحاكم بتعيين مرشحيه بطريقة تذكرنا بحقبة وددنا أنها ذهبت بلا رجعة. هذه اللوائح قُررت من طرف قلة قليلة بل من طرف شخص واحد ، وهو رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز . والكل يتذكر أن الرئيس أكد في لقاء الشعب أنه لابد من تجديد الطبقة السياسية وإحترام القواعد الديمقرطية. إلا أن معظم رؤوس اللوائح (ولا اتحدث عن من يغرق في أعماق هذه اللوائح) كانوا من أقطاب الحزب الجمهوري ومن مناصري ولد الطايع الذين شاركوا في تدمير قدرات هذا البلد على مدى نيف وعشرين سنة ، قبل أن ينقلبوا عليه في الساعات الاولى من يوم الأربعاء الثالث من أغشت 2005 عندما تاكدوا أنه في طريقه إلى الدوحة. فهؤلاء تم اختيارهم بطريقة لا علاقة لها بقواعد الديمقراطية التي تستوجب أن يتم النقاش والتوافق على من هو المؤهل لخدمة المصلحة العامة بعيداً عن المحسوبية وخدمة المصالح الخاصة.
فهؤلاء "المرشحين الجمهوريين" يستعملون امكانات هائلة ، فيها ما لهم أو لمن يساندهم ، وفيها ما ليس لهم ولا لغيرهم بصفة خاصة ، كامكانات الدولة الموريتانية وهي ملك الشعب الموريتاني . الوزراء المرشحون استعملوا ويستعملون امكانات الدولة في حملتهم ، قبلنا أم أبينا ، هذا بالاضافة إلى ترشحهم في دوائر إنتخابية محسومة لهم وكأن الانتخابات في حد ذاتها لا تعدوا كونها تاكيداً شكلياً لتعيينٍ تم في أروقة الحكم.
في الثالث من أغشت 2005 ، ظننا ، مع أن بعض الظن إثم ، أن صفحة جديدة مشرقة بدأت في تاريخ موريتانيا ، مع الديمقراطية والنمو والعدالة والمساوات (مهما كان الترتيب ، فبعد عشرات السنين من الانتظار ليس لنا أن نكون متطلِّبين)... فاليوم ، وبعد أكثر من ثمان سنين ! ، هـناك خيـبة أمل عظيمة لا يخفف من حدتها إلا الصبر والثقة في المستقبل.
د. سيدي حمادي
أستاذ وباحث
sidi.hamady@laposte.net