الصفحة الرئيسية > الأخبار > مجتمع > الزي التقليدي يتحول إلى معيار اجتماعي في موريتانيا

الزي التقليدي يتحول إلى معيار اجتماعي في موريتانيا

الثلاثاء 27 آب (أغسطس) 2013


تعكس الأزياء الشعبية في موريتانيا الفوارق الطبقية، وتعد مظهرا من مظاهر التمايز العرقي في بلد يعاني من التعصب القبلي، ورغم ذلك يتمسك الموريتانيون بالزي التقليدي ويعتبرونه هوية ورمزا للأصالة وصورة للتنوع العرقي والثقافي للمجتمع.

أزمة التمايز

تدل الأزياء في موريتانيا على تمييز في الأصل والعرق والمكانة الاجتماعية، ومن خلالها يمكن معرفة الكثير عن الشخص ووسطه الاجتماعي، وإذا كانت بعض المجتمعات العربية تعاني من تراجع أهمية الأزياء الشعبية لصالح الأزياء العصرية أو الأزياء الدخيلة فإن الموريتانيين لا يرضون بغير زيهم التقليدي ويتمسكون به حتى في أسفارهم وتنقلاتهم خارج البلاد.

لكن تمسك الموريتانيين بهذا الزي وتعصب كل شريحة لزيها ضاعف أزمة التمايز العرقي، حيث أقام الزي التقليدي حاجزا قويا بين القوميات الموريتانية، ويعتقد باحثون أن الزي التقليدي أسهم إلى حد ما في ترسيم الازدواجية العرقية بين العرب والزنوج وترسيخ الازدواجية الاختيارية بين البيض والمسترقين سابقا.

في هذا السياق، يقول الباحث أحمدو ولد إدومو إن «تمسك كل شريحة اجتماعية بزيها التقليدي ورفضها ارتداء الزي التراثي الخاص بالشريحة الأخرى وضع غير مريح لأنه يعكس الفوارق الطبقية بين العرب والأفارقة في بلد يطغى فيه التراتبية الاجتماعية، فالشريحة العربية لا ترتدي سوى الأزياء التقليدية الصحراوية بينما يرتدي الزنوج الأزياء الأفريقية». ويضيف «إذا كان البعض يعتبر أن التزامه بهذا الزي هو تأكيد لقوميته واعتزازه بها فإن المتشددين بإظهار الانتماء القومي ينظرون الى مسألة الالتزام بالزي التقليدي نظرة خاصة؛ فهم يتمسكون به للتأكيد على أهمية الشريحة الاجتماعية التي يمثلونها وللتأثير على التشكيل الديموغرافي للسكان ولسهولة التمييز بينهم خاصة اذا اخذنا في عين الاعتبار انتشار وطغيان الزي التقليدي على الأزياء العصرية في المجتمع الموريتاني».

ويدعو الباحث إلى الكف عن اعتبار الزي التقليدي دليلا على الانتماء القبلي او الطبقي، ويطالب بإطلاق حملات توعوية لتبادل الأزياء التراثية، وإلغاء هذا الحاجز بين الطبقات الاجتماعية.

الملحفة والدراعة

يوضح ولد إدومو من العوامل المؤثرة في تمسك الموريتانيين بزيهم التقاليد والعادات التي لا تزال راسخة في المجتمع وتؤثر بشكل مباشر على أذواق الناس، وتفرض هذه العادات على المرأة ارتداء ثوب فضفاض يطلق عليه الموريتانيون «الملحفة» يغطي الجسم من قمة الرأس إلى اخمص القدمين، وهو زي موحد بين جميع النساء العربيات، وتشترك النساء من الشريحة العربية السمراء «لحراطين» مع نساء «البيظان» في ارتداء الملحفة مع فارق أنها تختار عادة ملاحف ذات الألوان الفاقعة والمزركشة، أما الموريتانيات من أصل أفريقي فيرتدين الزي التقليدي الأفريقي المكون من تنورة طويلة غير مخاطة من الجانب، وقميص فضفاض طويل يصل الى الركبة وقبعة أو عمامة، ويتميز بكثرة أشكال التطريز والخياطة، إضافة إلى الحلي والملحقات المكملة له.

واذا كانت العادات تفرض على النساء العربيات ألا يرتدين غير «الملحفة» فإنها تلزم الرجل بدرجة أقل بارتداء ثوب فضفاض يسمى «الدراعة»، التي تعتبر زيا وطنيا رسميا يقبل الجميع عليه ويحظى بالاحترام والتقدير، ويتكون الزي الرجالي العربي من سروال وقميص مطرزين و»الدراعة» وهي دشداشة واسعة وفضفاضة لها في الغالب لونان هما الأزرق والأبيض.

ويرتدي الرجال أبناء الشريحة العربية ذوو البشرة السمراء الزي نفسه مع اختلاف في نوعية الثوب وأشكال التطريز التي تتميز بالبساطة الشديدة، أما الزي الرجالي الخاص بالموريتانيين من أصل أفريقي فيتكون من سروال ودشداشة وقبعة.

مناسبة للمناخ والبيئة

تتميز الأزياء التقليدية الموريتانية بأنها مريحة وتنسجم مع المناخ والطبيعة في الصحراء حيث إنها صممت لتناسب المناخ الحار والجاف فأغلب هذه الملابس فضفاضة ومن أثواب خفيفة وصيفية ذات ألوان زاهية تناسب المناخ والصحراء.

ورغم تغيرات العصر ومتطلبات الحياة العصرية التي تتطلب السرعة وخفة الحركة فإن الموريتانيين لم يهجروا زيهم التقليدي، كما يقول إبراهيم ولد أحمد الشيخ (موظف) «الجميع في موريتانيا كبارا وصغارا يجدون الزي التقليدي مناسبا للبيئة ويفضلونه على الأزياء الأوروبية الاعتيادية، فالزي التقليدي يناسب الطبيعة والمناخ وأسلوب العيش لذلك فهو لا يزال يحافظ على مكانته رغم غزو الألبسة الأوروبية وتأثر الشباب بالموضة الحديثة». ويضيف أنه يرتدي الزي التقليدي اثناء الدوام الرسمي، وأحيانا تفرض عليه الاجتماعات الإدارية ارتداء الزي الأوروبي لكنه عندما ينتهي من عمله يعود لارتداء الزي التقليدي لأنه مريح ويساعده على الاسترخاء وله قيمة كبيرة في المجتمع.

المصدر : "الاتحاد" (الامارات)