الصفحة الرئيسية > رأي > موريتانيا بلاد غنية وشعب فقير
موريتانيا بلاد غنية وشعب فقير
الأربعاء 7 آب (أغسطس) 2013
بقلم : المختار ولد محمد
تعتبر موريتانيا واحدة من أغنى دول المنطقة بالثروات السمكية والمعدنية وبحجم مواشيها والمساحات الزراعية، في حين لا تنعكس هذه المقدرات الاقتصادية على الحياة البائسة لشعب صبور يرضى بالقليل، ربما نتيجة لارتباط تكوينه الثقافي بالصحراء.
أسماك
تتمتع موريتانيا بشاطئ على المحيط الاطلسي يتجاوز امتداده السبعمئة كلم، ويحتوي واحدا من ابرز الاحتياطات العربية من الثروات السمكية. وفيما لا يزال الموريتانيون يعانون من ضعف الاستثمارات في شواطئهم التي تقول مصادر حكومية انها تستطيع توفير ربع الاحتياجات العربية من الاسماك، تشير الاحصاءات الرسمية الى ان السمك يشارك في موازنة البلاد بمائتي مليون يورو. وفي ظل غياب الاستثمارات العربية، لجأ الموريتانيون الى منح رخص للاتحاد الاوروبي، وهي تسمح لسفن الاتحاد باصطياد الاسماك الموريتانية مقابل مئة وثلاثة عشر مليون يورو.
ومعادن
وفي المجال المعدني، تعتبر موريتانيا ثالث مصدر للحديد في العالم بفضل مناجم شمال البلاد والتي تستخرج من «كدية الجل» في منطقة «أزويرات». والقطار المنجمي هو الاطول في العالم، يزيد طوله على الكيلومترين، وهو يتمكن من نقل الحديد الى الميناء المنجمي في مدينة «نواذيبو» حيث تأخذ فلزات الحديد طريقها الى الاسواق الدولية. وتسعى موريتانيا لرفع انتاجها من إثني عشر مليون طن سنويا الى خمسة وعشرين مليونا، خلال الاعوام القليلة المقبلة. كما يستخرج البترول من آبار بالقرب من نواكشوط، بمعدل خمسة وسبعين ألف برميل يوميا، كما تسعى موريتانيا لاستخراج الغاز من ستة آبار قرب نواكشوط، في حين لا تزال ثمانية آبار نفطية تنتظر بدء الاستغلال بشراكة مع توتال الفرنسية. وتصدر موريتانيا الذهب من مناجم قرب مدينة الشامي التي تبعد مائتين وخمسين كلم الى الشمال من العاصمة، وتسعى شركة الذهب وفق بيان رسمي لبناء مصنع خلال العام المقبل قادر على معالجة ثلاثين ألف طن من المعدن يوميا، وهو ما سيمكن من انتاج سنوي يبلغ ثمانمائة وثلاثين ألف أونصة خلال السنوات الخمس القادمة، وذلك باستثمار مبدئي يقدر بمليارين وسبعمائة مليون دولار. ومع هذا، لا يتجاوز عدد العاملين في شركة الذهب سبعة آلاف عامل.
وتصدر موريتانيا النحاس من منجم «ام اغرين» في مدينة «اكجوجت» شمال نواكشوط. وفي مجال المعادن دائما، تشهد البلاد اقبالا منقطع النظير لشركات التنقيب عن المعادن، وتقول وزارة المعادن الموريتانية انها منحت مائتين وثلاث وثمانين رخصة للتنقيب عن المعادن نهاية العام المنصرم. وهناك استعدادات لاستخراج اليورانيوم ومعادن اخرى. لكن كل هذا لم يشفع لغالبية الموريتانيين، الذين يعيشون شظف الحياة.
في نواكشوط مثلا، العاصمة التي لا يتجاوز سكانها مليون نسمة، وهو ربع السكان وفق آخر احصاء، يعيش ما يقدره الباحثون بخمسين في المئة تحت خط الفقر. ويلجأ بعض حملة الشهادات من مختلف التخصصات الى العمل في النقل مثلاً، ويشرف جامعيون ضمن برنامج حكومي لمكافحة الفقر على بيع المياه في نقاط من الاحياء العشوائية، مقابل مبلغ لا يتجاوز المائة والعشرين دولارا شهريا، واستهوت شركات الحراسة المستحدثة اخيرا الكثير من حملة الشهادات الذين يعملون مقابل اجور لا تتجاوز المائة والخمسين دولاراً شهريا. ويعمل الموريتانيون الاكثر حظا في مزارع الطماطم الاسبانية مقابل اجور زهيدة، في حين لجأ عشرات الآلاف منهم الى دول الخليج العربي وخصوصا الامارات، التي يهيمن الموريتانيون فيها على وظائف من قبيل إمامة المساجد والوعظ والارشاد والشرطة وتربية الجمال.
فقر أم إفقار
يرجع الاقتصاديون السبب في إفقار الشعب الموريتاني الى الضبابية التي تطبع السياسة الاقتصادية. ويرى احمد ولد داداه، وهو زعيم معارض واقتصادي بارز، ان موريتانيا التي تمتلك مئة وسبعين الف هكتار، وهو «ما يكفي لجعلها سلة غذاء، اذا تم تبني سياسة زراعية فاعلة»، تعاني نقصا حدا في المواد الغذائية. ويعتبر هذا الاقتصادي أن التعامل مع شركات التنقيب متهاون أكثر من المقبول، حيث أن أونصة الذهب تبلغ قيمتها في موريتانيا أربعمائة دولار، في حين يبلغ سعرها عالميا ألف واربعمائة دولار، وهو ما يجب الانتباه له، قائلا إن «موريتانيا تضم كميات كبيرة من المعدن النفيس».
جاور الماء تعطش
وبالرغم من تمتعها بنهر عذب، تعاني موريتانيا العطش. ومن المفارقات ان الفقر المستشري في البلاد يصل الى ذروته في الجنوب الشرقي من موريتانيا المتاخم للنهر، وهي المنطقة التي يطلق عليها الموريتانيون «مثلث الفقر» نتيجة العوز الشديد، بينما تسعى برامج الحكومة الحالية لمواجهة معاناة هؤلاء، وقد أطلقت تسمية «مثلث الامل» تيمنا. الا أن سكان هذه المنطقة يعانون من انتشار ثالوث الجهل والمرض والفقر، وعلى ذلك وهو الامر الغريب، فيعانون من العطش بالرغم من قربهم من النهر.
يلجأ المفسدون في موريتانيا الى الحيلة للتستر على عمليات النهب التي يقومون بها. وفي حين تدعي كل الحكومات المتعاقبة محاربة الفساد، لا يوجد في أي من سجونه المنتشرة في طول البلاد وعرضها أي من أكلة المال العام. وفيما يعمل الآلاف في سلك القضاء، من خلال القضاء الجالس والواقف، ومكافحة الجرائم الاقتصادية وغيرها، فغالبا ما يفلت المسؤولون الموريتانيون من المساءلة بسهولة، إذ أن اموالهم التي نهبوها تأخذ طريقها للبنوك السويسرية او الفرنسية، بسبب ضعف الرقابة تارة وتواطؤ بعض أجهزة الأمن مع بعض الفاسدين أحيانا اخرى. ويطلق الموريتانيون النكات على بعض المسؤولين، بسبب فواتير متضخمة، يتم الكشف عنها بعد حدوث انقلاب عسكري، حيث ان أحد الوزراء انفق أكثر من مليون دولار على حفل عشاء لوفد وزاري لا يتجاوز عدده اصابع اليد الواحدة. ونادرا ما يلقى القبض على الفاسدين، كما هو حال احد الضباط الذي اعتقل قبل اسابيع قليلة في صفقة فساد لتشييد ملعب رياضي بقيمة مليارين ونصف المليار «أوقية» (وهي العملة الوطنية، والدولار يساوي 250 أوقية)، وتمت اقالة زوجته، وزيرة الرياضة، كما طال الاعتقال مدير عام الصفقات وأحد رجال الأعمال. وغالباً ما يقال ان هناك نادياً من ستة اشخاص استولوا على مقدرات البلاد ويستغلونها في خدمة مصالحهم الشخصية، وهذا النادي يستأثر بالإشراف على صرف ألف وخمسمائة مليار أوقية من دون أن تنعكس إيجابيا على حياة المواطنين.
وفيما تتهم المعارضة السلطات الحاكمة بضلوعها في عمليات فساد وإبرام صفقات تراض لم تمر عبر المناقصات المعهودة ، فالمعارضة متهمة هي الاخرى بعمليات فساد وتربّح أبان تولي بعض زعمائها سدة الحكم...
المختار ولد محمد
صحافي من موريتانيا
جريدة السفير العربي