الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > نقيب الصحافيين في موريتانيا : الانفتاح الإعلامي يجب أن يواكبه تحصين وضبط (…)
نقيب الصحافيين في موريتانيا : الانفتاح الإعلامي يجب أن يواكبه تحصين وضبط للعاملين فيه
السبت 8 حزيران (يونيو) 2013
كشف التقرير الأخير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" أن موريتانيا حققت "قفزة نوعية" في مجال حرية التعبير، حيث احتلت المرتبة الثانية عربياً، كما اعتبرها التقرير "الأكثر احتراماً" لحرية الصحافة في بلدان المغرب العربي، وذلك بعد المصادقة على قانون تحرير الإعلام السمعي البصري وإلغاء حبس الصحفيينفي قضايا النشر، وإقرار الدعم العمومي للصحافة الخاصة، وتقنين الصحافة الإلكترونية.
ويأتي هذا التصنيف في وقت تعرف فيه موريتانيا طفرة إعلامية، بظهور 10 قنوات إذاعية وتلفزيونية، واستحداث شركة بث كسرت سيطرة مؤسسات الإعلام العمومي على شبكات البث.
ورغم التحسن المشهود في وضع الصحافة، وما تم تحقيقه من مكاسب خاصة في مجال حرية الرأي والتعبير، إلا أن حرية الحصول على المعلومات لا تزال مقيدة، ما دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الإشاعات ونشر الأخبار المغلوطة، وجعل الصحافة تعيش نوعا من الفوضوية في المحتوى والأساليب.
وللحديث عن واقع الصحافة في موريتانيا، أجرت وكالة الأنباء الدولية الإسلامية (إينا) حواراً مع نقيب الصحفيين الموريتانيين الدكتور الحسين ولد مدو، تطرق فيه إلى مختلف جوانب هذا القطاع تقويماً ونقداً وتوجيهاً وملاحظة، وفيما يلي نص الحوار : ـــ
· في البدء، ما هو تقييمكم لواقع الصحافة في موريتانيا ؟
– لتقييم واقع الصحافة في موريتانيا يتعين التمييز بين بعدين : الأول يتعلق بالإعلام الخاص، ويتميز المشهد الموريتاني في هذا المجال بنبرة مشهودة في إطار الحرية، بفضل التحسينات الكثيرة التي أدخلت على المسار المنظم لهذه الحرية، لذلك لا نجد إشكال كبيراً في مجال حرية الصحافة في موريتانيا.
أما في البعد الثاني وهو ما يتعلق بالإعلام العمومي فمازالت آمالنا معلقة بشأن متطلبات المصالحة مع مقتضيات قانون تحرير المجال السمعي البصري، بما يعنيه من التحول من الطابع الرسمي إلى الطابع العمومي، وإفساح المجال للتصالح مع تعددية المجتمع، أو مع المجتمع في تعدده البناء وفي تنوعه الأخاذ، ولذلك آمل بأن تتصالح هذه المؤسسات مع مقتضيات قانون تحرير المجال السمعي البصري، الذي لم يحرر فقط ويمكن الموريتانيين من اقتناء إذاعات وقنوات خاصة، وإنما فرض تحول المؤسسات الرسمية إلى تكريس الخدمة العمومية.
لذلك يتعين التمييز بين المشهد من بعدين : فأكبر التحديات التي تواجه الصحافة الخاصة هي هشاشة المؤسسات الإعلامية الخاصة، مع ما يترتب على ذلك من انعكاس على المستوى التدريبي، وعلى مستوى المخرجات الإعلامية، وفي بعض الحالات على مستوى الأداء الأخلاقي والرسالة الإعلامية، وتكريس حق المواطن في الإعلام، وأكبر مطلب بالنسبة لنا دائما سيبقى في أهمية تعزيز هذه المؤسسة الصحفية الخاصة، وما يعنيه من اهتمام بالكادر البشري المؤهل العامل في هذه المقاولات، أما في الإعلام العمومي فنحن أمام بعض الإشكالات العالقة بما فيها تحسين ظروف العاملين، وإحقاق حقوقهم والتصالح مع بعد الخدمة العمومية.
· من المعلوم أن السلطة الرابعة "الصحافة" في المجتمعات المتقدمة تلعب دوراً مهماً في تعزيز الممارسة الديموقراطية وبناء الدولة، هل الإعلام الموريتاني بشقيه "العمومي والخاص" يلعب هذا الدور ؟
ـــ كما تعلمون .. الإعلام يشكل تجلياً من تجليات الديموقراطية، والاهتمام بالتعددية ومحاربة ثقافة الأحادية بصفة عامة، ولكنه بقدر ما، يشكل مخرجاً من مخرجات التعددية، إذ إنه يسهم أيضاً في توطيد التوجهات الداعية لمزيد من التعددية الديموقراطية، لذلك أعتقد أنه كل ما كان قادراً على حمل المشاغل والمشاكل المرتبطة بتكريس التعددية والديموقراطية، كل ما كان وفياً لمبادئه التي من أجلها وجد، لأنه حسنة من حسنات التعددية، ولنا أن نلاحظ مثلاً أن قانون تحرير المجال السمعي البصري ساهم، إلى حد ما، في المزيد من تكريس الديموقراطية.
كما تضطلع وسائل الإعلام بدور كبير في المجال التنموي، فأغلب النظريات الحديثة باتت تميل إلى تكريس هذه التنموية، وتؤكد على ضرورة اضطلاع الإعلام بحس مسؤوليته الإجتماعية، وظهور ما يعرف بالإعلام التنموي، الذي يحاول أن يجد متنفساً للقضايا والانشغالات التنموية، ويفرد لها مكاناً وفضاءً خالصاً للمخرجات الإعلامية.
صحيح أننا لما نصل بعد إلى مفهوم "الصحافة المتخصصة" سواءً في أبعادها الاقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية، ولكن يمكن أن يضطلع الإعلام بـ "تخصيص" زوايا أو صفحات متخصصة، لمواكبة الجهود التنموية والتحديات التي تواجه التنمية بشكل عام.
وأعتقد أنه حتى الإعلام الخاص ينبغي أن يفي بمختلف الإلتزامات والشروط، بما فيها ذات الأبعاد الوطنية، ليس فقط تنمية المخرجات الإعلامية، وإنما كذلك الإهتمام بالمشاغل الوطنية، والذي يعتبر البعد التنموي من أولى أولوياته.
· شهدت موريتانيا منذ أعوام انفتاحاً في المجال السمعي البصري، كيف تنظرون إلى هذه التجربة ؟
ـــ خلال المراحل الماضية شهدنا نوعا من تكريس الحرية في الصحافة الإلكترونية والصحافة المكتوبة الخاصة، بعد إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر وتحرير المجال السمعي البصري، وهذه كنت أرى دائماً بأنها بقدر ما تشكل فرصاً، فإنها تشكل تحدياً، بمعنى أنها فرصة لأن الدولة تنازلت عن أكبر احتكاراتها، ولأن المواطن بات يتملك بعض الوسائط والوسائل التي كان محروماً منها إلى وقت قريب، وفي المقابل فهي تشكل تحدياً للصحفيين، إذ عليهم أن يبرهنوا على أحقيتهم وقدرتهم على التملك وتطبيق وتجسيد هذا المكسب، وهو مكسب تحرير المجال السمعي البصري، ومكسب الحرية أيضاً المكفول قانوناً.
وللإضطلاع بذلك، يتطلب الأمر المزيد من التحصين والتمكين للصحفيين، سواء على مستوى التدريب أو على مستوى الإهتمام والوعي بمختلف القضايا، التي يمكن أن يعالجها، وأملي بأنه بقدر ما وفرت الحرية في مجال الصحافة الخاصة، فيجب أن تؤمن العديد من المداخل التدريبية التي تضمن تحيين معارف الصحفيين، وتعزيز كفاءاتهم، بما يكفل الإضطلاع بمسؤولياتهم.
· وهل من ضمانات بأن لا يتحول تحرير الفضاء الإعلامي إلى فوضى؟ وكيف السبيل إلى تنظيمه وضبط أدائه على المستوى المهني والأخلاقي؟
ـــ كما هو متعارف عليه فالصحافة مهنة انسيابية، ولكن هذه الانسيابية حقيقة نحرص على أن لا تتحول إلى "تسيب"، لما يعنيه ذلك من خسارة مكسب الحرية بالنسبة للمواطنين، وإفشال تجربة تحرير المجال السمعي البصري، ولذلك فإن مئات الشباب الذين تدفقوا على القنوات الإذاعية والتلفزيونية الجديدة، كانوا في الوقت ذاته يحاولون ممارسة هواياتهم، لكن هذه الهوايات تتطلب المزيد من التأطير، حتى تكون على مستوى تطلعات المواطنين، لأننا في النهاية لا نريد لحرية الإعلام أن تتحول إلى مجرد إفصاح المرء عن آرائه ومواقفه، فهذه الأمور مكفولة في إطار حرية التعبير، ورغم أن حرية الصحافة من مشمولات حرية التعبير، إلا أن حرية الصحافة هي مهنة منضبطة، لها أطرها وقوانينها ونظمها، كما تتطلب التقيد بالمزيد من الأخلاقيات والضوابط.
· يرى البعض أن الإعلام في موريتانيا ما يزال ضحية لــ "تجاذبات" السياسيين، ما رأيكم؟
ـــ يجب التمييز هنا بين الإعلام الرسمي والخاص، فالإعلام الرسمي ليس ضحية للمال، وإنما هو ضحية للسلطة، لأن أغلب ما يتهدده درجة حضوره والتماهي مع السلطة، والتنازل عن مفهوم الخدمة العمومية، أما الإعلام الخاص فتتهدده كل عوامل قوى الضغط، سواء كانت سلطة أو معارضة أو قوى المال أو غير ذلك، لأنه في وضعه الحالي مهدد بالعديد من المشاكل.
وفي المقابل، يوجد صحفيون غير مدربين وغير مؤهلين، يعيشون في مهنة لا تطعمهم خبزاً، ويعيشون في مؤسسات صحافية بعضها هشة، ولذا فكل العوامل المحيطة به تحرضه على الانزلاق، ومن المعلوم أنه كلما تعزز تدريب الصحفي وتعززت البيئة والسياق الإجتماعي الحاضن له، من خلال المؤسسة التي يعمل بها، كلما قلت تلك المعاول التي تتهدده، وأنا من الذين يعتبرون الصحفي الموريتاني في وضع المؤسسة الصحفية الهشة، وتتهدده العديد من العوامل المرتبطة بالإنحدار الأخلاقي، أو بإمكانية الإنزلاق أو التقبل أو الخضوع لمختلف الضغوط سواء كانت سياسية أو غيرها.
· هل السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية في موريتانيا، تقوم بدورها في مجال ضبط وتنظيم قطاع الصحافة ؟
ـــ ثمة حراك وإرادة لدى السلطة العليا للصحافة لضبط وتنظيم القطاع، لكن هذه الهيئة تحتاج إلى حملة مناصرة، سواء في بعدها البشري أو في بعدها المادي، فالتحديات أمامها كبيرة ومتشعبة، رغم ما تشهده من حراك، وخاصة على مستوى التدريب، وهناك اهتمام بتدريب الصحفيين وتوعيتهم حول واجباتهم وحقوقهم والمتطلبات القانونية.
أما ما يرتبط بحملة الضبط والإشراف، فهي أمور ما زالت تتطلب المزيد من المواكبة البشرية والتقنية، من خلال توفير الآليات الكفيلة بضمان تنسيق مختلف البرامج الواردة من الإذاعات والتلفزيونات، ومن خلال إلزام المؤسسات الصحفية، بتوقيع عقود عمل قانونية، تحمي الصحفيين، وتساعدهم على أداء رسالتهم.
(إنتهى) حوار/ صالح بن المامي
(إينا)