الصفحة الرئيسية > رأي > موريتانيا وشمال مـــالــي: ترابط ومخـــاوف

موريتانيا وشمال مـــالــي: ترابط ومخـــاوف

الخميس 21 آذار (مارس) 2013


بقلم : علّية عباس

منذ بداية الأزمة «الأزوادية» العام الفائت، وموريتانيا تحاول «السير بحذر في التعاطي مع هذه القضية. تجلى ذلك في الموقف الذي اتخذته الدولة الموريتانية وهو «النأي بالنفس» عن المشاركة العسكرية المباشرة في الحرب التي شنتها فرنسا والقوات المالية والتشادية ضد المجموعات المسلحة في الشمال المالي. واكتفت باستقبال ورعاية اللاجئين بمساعدة الهيئات الدولية المعنية، وحماية حدودها، ومنع تسلل «الارهابيين» الى الداخل. لم يخرج الموقف الشعبي، بتلاوينه الفكرية والاثنية، ومعه الأحزاب السياسية، رغم التمايز في مواقفها وتنوعها قربا أو بعدا عن الموقف الرسمي، عن الحدود المتوقعة دفاعا أو هجوما.

الجغرافيا والاقتصاد ودرس الماضي

المعطيات التي فرضت هذا الخيار كثيرة، منها الموقع الجغرافي لموريتانيا. فهناك 2237 كلم من الحدود المشتركة مع مالي، وهي تمر عبر مناطق صحراوية تتعذر مراقبتها ويصعب تحصينها. وقد تعرضت موريتانيا من خلالها في السنوات القليلة الماضية للعديد من الخضات الامنية (خطف اجانب، اعتداء على مراكز عسكرية حدودية) على أيدي مجموعة ارهابية تحركت في هذه المساحة الصحراوية. وواجهتها موريتانيا وحيدة، ودفعت ثمنا غاليا على الصعيد الاقتصادي، إن لجهة الكلفة العسكرية للمواجهة والتجهيز، أو في تراجع، إن لم نقل انحسار السياحة التي كانت مصدرا أساسيا للدخل لسكان هذه المنطقة الحدودية خاصة، كما لعموم البلاد.
من جهة اخرى، هناك العامل الاقتصادي، اذ تقوم بين البلدين منذ القدم تبادلات تجارية مكثفة تتمثل في تصدير المواشي الموريتانية إلى مالي واستيراد موريتانيا للحبوب والخضروات والفواكه المالية، بالإضافة إلى حاجة الموريتانيين إلى المراعي المالية خاصة منذ بدء الجفاف في السبعينيات من القرن الماضي. وقد طالت مواسمه العديد من المناطق الموريتانية. كما يتواجد في مالي جاليات موريتانية كبيرة تمارس التجارة بمختلف أنواعها.
ولا ينبغي اغفال واقع ان موريتانيا لا تزال فتية على مستوى بنائها كدولة. وقد عرفت خضات سياسية عدة منذ استقلالها، لعل أشدها الانقلاب العسكري على المختار ولد دادة، الرئيس الأول لموريتانيا الذي سموه «أبا الأمة». وهو انقلاب وقع رغم ما كان الرجل يتمتع به من احترام لدى عامة الموريتانيين، وذلك لرفضه الحرب مع الصحراء الغربية. ولم يغب هذا الدرس عن خلفية الموقف الرسمي الموريتاني من الأزمة الأزوادية.

الداخل المهدد

انخراط عدد غير قليل من الموريتانيين في حركات ما يسمى «الاسلام السلفي الجهادي»، لم يغب عن بال غالبية الموريتانيين في مواقفهم من الأزمة، باستثناء من يدعم هذا التوجه الفكري. ويبدو القلق واضحا من امكان امتداد هذه الظاهرة الى موريتانيا، حيث تلعب عوامل عدة في تغذية المخاوف. فبالإضافة الى الاسباب التي تدفع بعض الشباب الى الانخراط في تلك الحركات، من فقر وبطالة، وقرف من الفساد... هناك أيضاً الاقتناع العقيدي، الذي يطرح دور المدارس الدينية، وهي متجذرة في النظام التعليمي التقليدي في موريتانيا. ولم تكن هذه المراكز تخضع لمتابعة السلطات، الى أن بدأ الارهاب يطال البلاد، فاتخذت السلطة خطوات عدة منها الخطط الأمنية، لكن منها أيضا تأهيل 500 إمام عُيّنوا في مختلف المناطق الموريتانية لقطع الطريق على مروجي هذا الفكر. علما بأن المجتمع الموريتاني لا يعرف الانغلاق أو التعصب ولا يميل الى العنف. وبالرغم من أصوات صدرت من داخل تيارات اسلامية وقومية، واحتجت على التدخل الفرنسي في مالي من منطلقات عقائدية، «فهؤلاء مسلمون يواجهون حربا صليبية»، لكن هذه الاحتجاجات تندرج على الاكثر في اطار الاشتباك السياسي الداخلي، ما بين المعارضة والسلطة، اكثر من كونها تعبيرا عن التزام او انتصار للقضية الأزوادية. مع ذلك يمكن ملاحظة ان الموقف الذي اتخذه الرئيس الموريتاني بعدم المشاركة في العمليات العسكرية يلقى رضى غير قليل من الناس.

تداخل سكاني وخطر الهشاشة

على الصعيد الاجتماعي الثقافي، هناك تمازج وتداخل بين سكان المناطق الشرقية الموريتانية المعروفة باسم الحوضين الشرقي والغربي، والمناطق المالية المقابلة لها، الأمر الذي أوجد تواصلا وتآلفا في هذا المجال الجغرافي المتصل. أما في الشمال المالي، وفي إقليم أزواد تحديدا، فثمة قبائل عربية («بيظانية») لها امتدادات في موريتانيا وغيرها، من بينها قبائل «كنت» و«الطرشان» و«أولاد طلحة» و«أولاد داود» و«إيجمان»... هذا عدا القبائل العربية الأخرى التي تعيش في شمال النيجر والتي تربطها بالقبائل الأزوادية، ذات الامتداد الموريتاني، علاقات متينة، ما يطرح بالضرورة تعاطفا ومؤازرة شعبية من العرب الموريتانيين، تمثل في العديد من المظاهرات والاحتجاجات على الحرب التي دفع فيها «اخواننا الأزواديون ثمنا باهظا، تمثل في عمليات قتل جماعي لهم، ولكثيرين من ذوي البشرة البيضاء، حتى لو لم يكونوا ارهابيين» كما يقول العديد منهم.
التداخل السكاني يطال أيضا بقية المكونات الاجتماعية للبلدين. فبالإضافة الى العرب في موريتانيا، هنالك ثلاثة مكونات سكانية أخرى من أصول أفريقية يشترك اثنان منها (البولار والسونينكي) في تكوين التركيبة السكانية لكل من مالي وموريتانيا. هناك روابط روحية بين الماليين، زنوجا كانوا أم عربا، وبين الموريتانيين على اختلاف أعراقهم، وذلك من خلال الطرق الصوفية المشتركة، المتمثلة في التيجانية الحموية والقادرية البكائية، ما أوجد مريدين موريتانيين عربا وزنوجا، وماليين عربا وطوارق وزنوجا، ينتمون إلى نفس الطرق الصوفية. إلا انه، على الرغم من ذلك، تلحظ أيضاً حالة من التعاطف أو من التفهم على الاقل للحملة العسكرية على شمال مالي. هذا التباين البارز في مواقف الفئات السكانية الموريتانية من أزمة شمال مالي، لعب بالضرورة دورا أساسيا في موقف الدولة الموريتانية كما العديد من الأحزاب بما فيها المعارضة منها. فنسيج البلد الاجتماعي هش أصلا، وهنالك مؤشرات كثيرة على ازدياد حدة الانقسامات أفقيا وعموديا في موريتانيا. وبالتالي فأي من الموقفين: الدخول في الحرب بشكل مباشر، أو دعم القضية الأزوادية والمطالبين بالانفصال عن مالي، قد يكون عامل تفجير في البنية الاجتماعية للبلد. وهناك مخاوف من أن يؤدي انفصال الشمال المالي الى عدوى تصيب موريتانيا، كما بقية دول الجوار.

الاستقرار وإلا..

لذا يرتبط استقرار الوضع في موريتانيا باستقرار الوضع في مالي. أما سياسة النأي بالنفس التي اتخذتها السلطات المويتانية فتلقى قبولاً عاماً على أساس أنه لا داعي لإضافة مشكلة أخرى لن تكون فيها موريتانيا في أي من الأحوال رابحة.
لكن السؤال يبقى متمحوراً حول إمكان أن تتمكن موريتانيا، بموقفها «المحتاط»، من أن تظل بمنأى عن تداعيات الأزمة الأزوادية في حال لم تنجح الدولة المالية باحتواء الأزمة مع شمالها؟ وهو الامر الذي لا مؤشرات مشجعة عليه حتى الآن. أو في حال صدقت الصحف المالية التي ما فتئت مؤخرا تشير الى أن المعركة لم تبدأ بعد مع «الارهابيين» وأن الذي جرى كان معركة بلا محاربين؟ فهل إذا استطالت الحرب واستعرت ستضطر موريتانيا الى التخلي عن دورها كلاعب احتياط وتنزل الى أرض المعركة؟ الاجابة عن هذا السؤال ليست عند موريتانيا!
وفي الوقت الذي دخلت فيه الازمة في شمال مالي مرحلة غير واضحة المعالم وصارت اقل حضورا في وسائل الاعلام بعد سيطرة القوات الفرنسية والمالية والافريقية على معظم المناطق، لا يبدو ان الامور تسير نحو الاستقرار. فقد أكدت يومية (أنفو ماتان) المالية أن طبيعة المواجهات وأسلوب السيارات المفخخة الانتحارية شكل جديد من الحرب غير المتكافئة التي فرضها المتطرفون في المدن الشمالية. ومن جهتها أشارت يومية (لو كومبا) الى أنه في هذه الأثناء بالضبط بدأت الحرب الحقيقية: «إلى غاية الآن كنا أمام حرب خاطفة حرب بدون متحاربين»، مضيفة ان تحويل المنطقة إلى أفغانستان جديدة أمر غير مستبعد في ظل هذه المواجهة غير المتكافئة بين الأطراف المتنازعة.
وأكدت يومية (أنفو ماتان) المالية أن طبيعة المواجهات وأسلوب السيارات المفخخة الانتحارية شكل جديد من الحرب غير المتكافئة التي فرضها المتطرفون بالمدن الشمالية. وكان آخر أمثلتها الاشتباكات التي شهدتها غاو وكذا المحاولة الانتحارية بكيدال (شمال شرق مالي).
من جهتها سجلت يومية «لو كومبا» أن الأحداث المتعاقبة دليل على أن التدخل الفرنسي بدأ يدخل مرحلته الحاسمة وأنه في هذه الأثناء بالضبط بدأت الحرب الحقيقية، مشيرة إلى أنه «إلى غاية الآن كنا أمام حرب خاطفة حرب بدون متحاربين خاصة أن الإرهابيين كانوا سريعا ما يفرون أمام تقدم القوات الفرنسية والمالية والتشادية لكنهم في نهاية المطاف حوصروا ولم يعد لهم من خيار غير التوقف والمواجهة القتالية».
واعتبرت اليومية أن الجزء الأصعب في هذه الحرب الجديدة ليس طرد «هؤلاء الحمقى والمتعصبين» من المدن الشمالية لكن التغلب عليهم في عقر مخابئهم بالجبال التي يعتصمون بها ويصعب إخراجهم منها مضيفة ان تحويل المنطقة إلى أفغانستان جديدة أمر غير مستبعد في ظل هذه المواجهة غير المتكافئة بين الأطراف المتنازعة.
من جهتها رأت يومية (لونوفيل أوريزون) أنه بالرغم من فشل المتطرفين في ميغاو وغاو فإنهم لم يقولوا بعد كلمتهم الأخيرة وأن اليقظة ينبغي أن تكون سيدة الموقف لدى القوات المتحالفة المالية والفرنسية والأفريقية.

علّية عباس
أستاذة أدب عربي، مقيمة في نواكشوط