الصفحة الرئيسية > رأي > رئيس وليس فرعونا.. هذا هو المهم

رئيس وليس فرعونا.. هذا هو المهم

الأحد 24 حزيران (يونيو) 2012


بقلم : د‏.‏ وحيد عبد المجيد

لن يقبل المصريون تسلطًا عليهم واستبدادًا بهم مرة أخرى.. وهذا هو ما يفترض أن يدركه الرئيس الجديد "محمد مرسي"؛ لأنَّ العبرة تنفع من يستوعب الدروس، وليته يعلم أن مصلحته وليس فقط حق شعبه، تقتضي بناء نظام ديمقراطي يقوم على مؤسسات تعينه على إنجاز مهمته الأكثر من صعبة، فالديمقراطية لا تحقق مصلحة عامة تشتد الحاجة إليها فقط، بل توفر للحاكم أيضًا إمكانات النجاح والإنجاز والشعبية والتقدير من جانب الرأي العام، فضلاً عن أنها تضمن له سلطة فعليّة تفوق ما يمارسه أي فرعون.

فواقع الحال يقول إنَّ الحاكم الفرد المطلق الذي يظنه الناس فرعونًا لا تحدّ صلاحياته حدود إنما هو أقل سلطة وقوة من أي رئيس مقيد برقابة صارمة ومساءلة تقود إلى محاسبته إذا أخطأ.

فالرئيس الذي يحكم في نظام ديمقراطي يمتلك فعليًا سلطة أكبر من نظيره الذي لا يخضع لأي رقابة أو محاسبة بالرغم من هول الصلاحيات المتاحة للأخير في دستور يضعه على هواه ويعدل فيه ما يشاء.

فالحاكم الفرد المطلق لا يمارس فعليًا الصلاحيات الهائلة المتاحة له كلها طول الوقت، لأنها تفوق قدرة البشر، فإذا توفرت له معرفة موسوعية في مختلف المجالات التي تشملها صلاحياته لا يتيسر له الجهد اللازم للاطلاع عليها جميعًا، وإذا كان لديه الجهد والمعرفة وتمكن من الإحاطة بشؤون البلاد كلها، صغيرها وكبيرها، ووجد في نفسه الطاقة الجبارة اللانهائية لهذه المهمة، لن يجد الوقت الكافي لصلاحياته الهائلة، لا يكفي لها إضافة ساعة أو أكثر إلى الساعات الأربع والعشرين في اليوم.

ولذلك يضطر الرئيس مطلق السلطة إلى ممارسة صلاحياته اللامحدودة من خلال حلقة ضيقة تتحول إلى حاشية تفرغ الجمهورية من مضمونها وعبر أتباع يثق فيهم وقد لا يكون معظمهم أهلاً لأي ثقة.

ويترتب على ذلك مع طول الوقت وتوالي السنين ازدياد مطرد في قوة هؤلاء ونفوذهم وانكماش مستمر في دور الرئيس الذي يبدو للكثير كما لو أنه فاق الجبال طولاً، ولا يفطن الرئيس مطلق السلطة في معظم الأحوال إلى أن معظم هؤلاء الذين يمارس كل منهم شيئًا من هذه السلطة باسمه لا يخلصون إلا لأنفسهم ومصالحهم، بالرغم من براعتهم في إظهار استعدادهم لفدائه بأرواحهم أو "برقبتي يا ريس"، فليس سهلاً أن يفهم الرئيس الفرد أن سلطاته الهائلة تتسرب من بين يديه، وأن رجاله في الحلقة الضيقة أو الطغمة المحيطة به ليسوا مجرد أدوات لتنفيذ سياسيته.

وكثيرا ما يصبح هذا الرئيس ضحية السلطة الكلية التي تخلق بالضرورة مراكز قوة حوله بسبب عدم وجود مؤسسات فاعلة، ولكنه يكون في الحقيقة ضحية عشقه النفاق والكذب وارتياحه إلى المطبلين والمزمرين دون غيرهم.

وفى كل الأحوال يفقد الرئيس مطلق السلطة حساسيته السياسية وصلته بالمجتمع والناس، بخلاف نظيره الديمقراطي الذي يستمد سلطته من الشعب ويظل معنيّا باتجاهات الرأي العام طول فترة رئاسته، ولا يحتاج بالتالي من ينقلون إليه ما يحدث في بلده ويخصمون من سلطته بمقدار ما يظن هو أنهم يحافظون عليها أو يضيفون إليها.

وعندئذ يتحول نظام الحكم الفردي إلى حكم القلة المتسلطة الذي يطلق عليه "الأوليغاركية" في تصنيف نظم الحكم، ويصبح الرئيس مطلق الصلاحيات أقل سلطة فعليا من بعض رجاله، ومن بعض أفراد عائلته أحيانا كما كان الحال في مصر وتونس.

وهذه هي الرسالة التي يتعين على الرئيس الجديد "محمد مرسي" أن يتأملها ويستوعب دلالاتها ويقرأ جيدا ما آل إليه الحكم الفردي في حالات كثيرة، من بينها مصر، ليس فقط في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ولكن أيضا أيام كل من أنور السادات وجمال عبد الناصر، ولكن حالة مبارك هي الأكثر هولا، بسبب طول فترة بقائه في السلطة، والتي تجاوزت فترتي سابقيْه، الاثنتين مجتمعتين، كما أن نهايتها جاءت الأكثر دراماتيكية، على نحو يفرض الانتباه إلى فخاخ السلطة المطلقة وعدم الوقوع في أسر بريقها الزائف.

د‏.‏ وحيد عبد المجيد