الصفحة الرئيسية > ثقافة > العراق يفجر قنبلة لغوية في السويد

العراق يفجر قنبلة لغوية في السويد

الجمعة 8 حزيران (يونيو) 2012


الأخبار السارة من العراق شحيحة جدا إلى درجة أن المرء صار لا يتوقع حسنا من هذا البلد الجريح. أما الأخبار السيئة فإنها صارت كالسيل الذي لا ينقطع. ولهذا هرعت إلى قراءة مقال نشرته الصحيفة السويدية رقم واحد، داكنز نيهتر، (أخبار اليوم) والتقصي من صدقيته لأنه كان يشير إلى خبر حسن.

فحوى المقال أن العراق بلغ وزارة الخارجية السويدية رسميا من خلال سفيره في استوكهولم أنه يريد أن ينشئ مدارس عراقية خاصة في السويد لاستخدام اللغة العربية لتدريس الجالية العراقية في هذا البلد والتي يبلغ تعدادها أكثر من ربع مليون شخص.

وقد أثار الطلب جدلا كبيرا في داخل أروقة الحكومة السويدية والأحزاب السياسية المتنفذة التي نظرت إليه بسلبية وعدم رضا.

إلا أن الصحيفة، وهي ذات تأثير ونفوذ قوي في البلد، قالت إن السويد ليس بإمكانها رفض الطلب العراقي إن كان العراقيون جادين في مسعاهم. والسبب، كما ورد في المقال، هو أن الحكومة السويدية والكنيسة السويدية، وحسب القانون السويدي، عليهما تقديم خدمات التربية والتعليم وباللغة السويدية لأي سويدي يعيش خارج البلد حتى ولو كان شخصا واحدا.

وعليه فإن الأجانب في السويد وانطلاقا من مبدأ المساواة، والذي هو ركن من أركان الحكم هنا، من حقهم تلقي العلوم والتربية بلغتهم الأم، وأي مدرسة ينشئها العراق أو أي بلد آخر لمواطنيه سيكون لها الحق أن تتمتع بتلك الامتيازات والمنح المادية وغيرها التي تغدقها الحكومة هنا على المدارس.

وتقول الصحيفة إن أخذنا بعين الاعتبار أن العراقيين في السويد، شأنهم شأن المهاجرين الآخرين، عادة يبزون أقرانهم من السويديين في الدراسة، فتصور ماذا سيحدث من تطور في مدارس عراقية ستستلم المستحقات من الحكومة العراقية وفي الوقت نفسه لها الامتيازات والحقوق والواجبات نفسها التي تمتع بها المدارس السويدية.

إلى هنا قد تبدو المسألة جزءا من السياسة والدبلوماسية وأن العراق الذي تتقاذفه أمواج المخاصصة والطائفية والفلتان الأمني والتقسيم استنادا إلى العرق والطائفة قد لا يكون جادا في طلبه هذا.

ولكن إن درسنا هذا الطلب وحللناه من خلال الأركان العلمية التي نستند إليها في هذا العمود عند مناقشة مسائل مهمة وحساسة ووضعناه أمام مشرحة النقد والتحليل ومفاهيم المقاربة والمقارنة، لرأينا أنه يشير إلى أمور ذات علاقة وجودية في حياة العرب والمسلمين في هذا العصر.

وأظن أنني لا أبالغ إن قلت إن العرب اليوم ربما صاروا أقل الأمم اكتراثا بلغتهم الأم ــــ العربية ــــ رغم أنها لغة كتابهم السماوي ــــ أي أنها ترقى إلى درجة القداسة لأنها ــــ حسب المفهوم الإسلامي ــــ كانت اللغة التي تحدث بها الله من خلال جبريل إلى نبي العرب والمسلمين.

وقد تحدثت في هذا العمود عن محاولات مقصودة وغير مقصودة لتهميش دور اللغة العربية في كثير من الدول العربية ولا سيما الخليجية منها حيث صار البعض اليوم يتباهى بإرسال أولاده إلى المدارس الأجنبية بدلا من المدارس العربية.

أن تسمح الدول العربية للأجانب بأن يدرسوا بلغتهم وحسب مناهجهم هذا أمر مقبول شريطة أن يسمح الأجانب للدول العربية أن تقوم بتدريس جالياتها في دولهم حسب لغتها ومناهجها. ولكن لا علم لي إن كانت أي دولة عربية مهتمة بجالياتها من الناحية التربوية واللغوية مثلما تهتم الدول الأوروبية بجالياتها في الدول العربية.

وما يثير الأسى والحزن هو أن بعض دول الخليج العربي هي التي تنفق على ما تطلق عليه "مدن تربوية" كل شيء فيها أجنبي من لغة وعلم وتربية وهيئات تدريسية وهي أنشئت أساسا لخدمة الأجنبي على نفقة المواطن العربي.

وقد زرت مدينتين تربويتين في بلدين صغيرين في الخليج. المدن هذه بنيت بالمال الخليجي ولكن همها في الدرجة الأولى خدمة الأجانب ولغاتهم وطرق تدريسهم. وهذه المدن مزودة بأحدث التكنولوجيا وفيها كل ما تتطلبه العملية التربوية.

وكم كانت دهشتي كبيرة عندما زرت الجامعة الوطنية في أحد هذين البلدين وشاهدت أن الجامعة بشموليتها في حالة يرثى لها. هذه مقاربة غريبة وعجيبة في الوقت نفسه.

وإلى اللقاء،،،

«الاقتصادية»