الصفحة الرئيسية > رأي > التعليم وإشكال الهوية في موريتانيا

التعليم وإشكال الهوية في موريتانيا

الثلاثاء 2 شباط (فبراير) 2021


تحاول المناهج الجمع بين البعد الإسلامي والعلمانية الغربية وهي مسألة صعبة للغاية

محمد الأمجد صحفي موريتاني

لم يكن للغة العربية أي حضور في التعليم الرسمي بموريتانيا طوال الحقبة الاستعمارية. وفي أعوام 1956 و1957 و1958 اشتد عود الحركة الطلابية الداعية إلى دمج مواد عربية جديدة في التعليم، وفي السنة الدراسية لعام 1966 أي بعد الاستقلال بسنتين، قررت الدولة زيادة مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، فحررت مجموعة من طلاب القومية الأفريقية، بينهم أعضاء في الحكومة، رسالة احتجاج شديدة اللهجة وجهتها لرئيس الجمهورية آنذاك المختار ولد داداه، وطالبته بالتراجع عن هذا القرار الذي اعتبرته استهدافاً عنصرياً موجهاً للشريحة الأفريقية، فرفض الرئيس وتمت إقالة كل من ورد اسمه في الرسالة. ويُعرف موقعو هذه الرسالة في القاموس السياسي الموريتاني بـ "جماعة 19". تسارعت وتيرة الأحداث فتحركت المجموعة العربية هي الأخرى، وتم الاحتكاك بين الطرفين، فكانت أحداث 1966 الدامية التي راح ضحيتها قتلى وجرحى.

ويقول الأكاديمي المتخصص في التاريخ سيدي محمد أبو المعالي، "إن اختلاف رؤيتي عرب موريتانيا وأفارقتها هو الخطر الاستراتيجي الذي ظل يهدد انسجام المجتمع الموريتاني، لأنه تسبب في صراع قومي دموي تمثل في أحداث 1966 التي شملت مدن انواذيبو وكيهيدي والزويرات، ومدناً أخرى، وقد عبر عن اختلاف واضح في رؤية المجموعتين العربية والأفريقية لمشروع التعليم المستقبلي للدولة الناشئة".

وتابع "واصلت الدولة توجهاتها في إصلاح التعليم، فكان هذا في عام 1967 الذي ركز على نظام الازدواجية لكنه زاد جرعة اللغة العربية، ثم كان إصلاح 1973 الذي يعتبر الأهم والأشمل، لأنه حل مشكل الصراع القومي القائم على خلفية التعليم من خلال تبني نظام الازدواجية، ففي إطار بنوده يتم تدريس جميع المواد العلمية باللغة الفرنسية ونظيرتها الأدبية باللغة العربية، كما يُلزم جميع الطلاب بدرس اللغتين على السواء". ويشير إلى أنه "لو لم يعصف انقلاب 1978 بإصلاح 1973 لكانت موريتانيا وحدت منظومتها التربوية التي هي إحدى أسس وحدتها الوطنية".

التعليم وإشكال التسييس

بعد انقلاب 1978 الذي أطاح نظام المختار ولد داداه المدني، ألقى السياسيون الموريتانيون إصلاح 1973 وراء ظهورهم، وأصبحت كل مجموعة عرقية تتبنى منهجها، إذ طالبت المجموعة العربية بالتعريب الشامل، بحيث لا يكون للازدواجية مكان، بينما تمترست المجموعة الأفريقية وراء المطالبة بإصلاح ينطلق من "الفرانكفونية"، ومن هنا غيّر السياسيون الموريتانيون بوصلة التعليم بتحويله من ملف علمي يعالج بطرق ومناهج فنية إلى ملف سياسي.

يقول الأستاذ بالمدرسة العليا لتكوين الأساتذة، وأحد أبرز خبراء التعليم في موريتانيا، أبوه بلبلاه، "لما قوي الحراك المطالب بإصلاح التعليم وتظاهر مختلف الفرقاء، ورفعوا شعاراتهم واقتراحاتهم المختلفة سنة 1979، اتخذت السلطات ذلك القرار السيء الارتجالي الذي أفسد التعليم، وكاد أن يقضي على وحدتنا الوطنية، وهو قرار يلزم من لغته الأم العربية، بدرس جميع المواد بالعربية، وخيّر من ليست العربية لغته الأم بين العربية والفرنسية، فاختار العرب الأولى والأفارقة الأخيرة. فأصبح لدينا تعليمان لمجتمع واحد، فتباعدت الهوة بين المواطنين، واشتد الصراع في الإدارة، وازدادت مصاعب التوظيف. لكن الخطير في الأمر أنه سدد ضربة قوية للوحدة الوطنية وانسجام المجتمع" .

محمد الأمجد صحفي موريتاني