الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > تسير على كل الحبال.. هل ترضي موريتانيا إيران والسعودية في آن واحد؟

تسير على كل الحبال.. هل ترضي موريتانيا إيران والسعودية في آن واحد؟

الثلاثاء 19 شباط (فبراير) 2019


استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وزيرَ الدفاع الإيراني أمير حاتمي في العاصمة نواكشوط في العاشر من يناير (كانون الثاني)، وبعدها بثلاثة أيام فقط ذهب في زيارة إلى وليّ العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان في أبوظبي.

قد تبدو زيارات الرئيس الموريتاني هذه متناقضة في بادئ الأمر، لكنّها السياسة التي انتهجها ولد عبد العزيز في الحفاظ على علاقات بلاده مع جميع الأطراف من أجل الفوز بالمشاريع والمنح والاتفاقيات التجاريّة، حتى لو تطلّب ذلك جمع الأعداء في سلة واحدة.

ويستغّل ولد عبد العزيز الرعب السعودي والإماراتي من المدّ الإيراني في الأرض الموريتانية، الذي يهدد نفوذهما في دول أفريقية، وقد نجح في الفوز بالمشاريع والتمويلات الخليجيّة من أجل الانقلاب على الإيرانيين، لكن ما أن لمس تباطؤ سعودي إماراتي في دعمه، ورأى اليد الإيرانية ممدودة له؛ سرعان ما أصبح التقارب مع طهران بين ليلة وضحاها وسيلة ابتزاز عظيمة بيده.

مشاريع واتفاقيات سعودية في موريتانيا.. هل تنجح في إبعادها عن الغريم الإيراني؟

في اليوم الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2018، حطت طائرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مطار نواكشوط الدولي «أم تونسي»؛ إذ اختار موريتانيا كأول دولة في جدول زيارته بعد حضوره لقمّة العشرين، كذلك كانت هذه الزيارة الأولى لمسؤول سعودي بهذا الحجم بعد زيارة العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز قبل أكثر من 40 عامًا.

واستكمالًا لمسلسل الدعم السعودي لموريتانيا، شهدت زيارة بن سلمان الإعلان عن عدّة مشاريع تنمويّة، منها بناء مستشفى كبير في نواكشوط يحمل اسم «مستشفى الأمير محمد بن سلمان»، وتوقيع اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي على الدخل وعلى رأس المال، كما وقّعت موريتانيا مذكّرتي تفاهم بين وزارة المياه، والصرف الصحي، ووزارة البيئة، والمياه والزراعة في السعودية، ومذكرة أخرى حول تفاهم بين وزارة البيئة والتنمية المستدامة في موريتانيا وبين الهيئة السعودية للحماية الفطرية.

هذا الاستثمار السعودي في السياسة الموريتانيّة لم يكن بدون ثمن، ففي سنة 2017 أعلنت موريتانيا عن قطع علاقاتها مع قطر إثر الأزمة الخليجية، واتّهمت قطر عبر بيان خاص بـ«دعم التنظيمات الإرهابية، وترويج الأفكار المتطرفة، والعمل على نشر الفوضى والقلاقل في العديد من البلدان العربية». واندفعت توافقًا مع الأجندة السعودية نحو إصدار بيانات متتالية، كالوقوف مع السعودية في أزمتها مع كندا، ودعم السعودية في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، حتى إن بعض المراقبين أشاروا إلى أنّ 80% من بيانات الخارجية الموريتانية بعد حصار قطر كانت تتعلق بالشأن السعودي.

وعلى الصعيد الداخلي، تحرّكت موريتانيا في إطار الولاء للسعودية نحو خوض معركة ضد المعارضة الإسلامية في البلاد، التي يمثّلها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعروف بـ«تواصل»، وفي إطار ملاحقة الحزب أغلقت الحكومة نحو 200 معهد إسلامي تتهمها بخدمة أجندة الحزب، أبرزها جمعية «المستقبل» التي يرأسها الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي تعتبره الحكومة الموريتانية «الأب الروحي لإخوان موريتانيا»، كما علت نبرة ولد عبد العزيز ضد الإسلاميين في بلاده؛ إذ اعتبر أنّ «إسرائيل أرحم من جماعات الإسلام السياسي التي دمّرت العالم العربي والإسلامي»، وأضاف أنّ الإسلام السياسي «قاد الدول العربية إلى الدمار والفشل».

وكان أوجّ هذه المعركة بين النظام الموريتاني والإسلاميين في سبتمبر (أيلول) 2018، حين أغلق «مركز تكوين العلماء» التابع إلى الددو، وهو ذات الشهر الذي كشف فيه النقاب عن وجود مفاوضات سريّة تجريها السعودية مع فرنسا من أجل إبرام صفقات تسليح تخص ستّ دول أفريقية، من بينها موريتانيا، وتوقّع أن تبلغ لائحة الطلبات 30 مليون دولار لكل دولة، كما أن موريتانيا، التي تشارك السعودية في حربها باليمن ضد الحوثيين، وقّعت اتفاقية للتعاون العسكري، تتعلق بالتدريب وتبادل الخبرات والمساندة والإمداد وقت الحرب.

وبعد أسابيع من إغلاق مركز «تكوين العلماء» افتتحت السعودية مركزًا جديد لتكوين العلماء تحت اسم «المحظرة النموذجية لتكوين وتأهيل العلماء» بمدينة أكجوجت شمال موريتانيا، اعتُبِر بديلًا عن المركز السابق الذي جرى إغلاقه، وتتولى وزارة الشؤون الإسلامية بالتعاون مع رابطة علماء موريتانيا الإشراف على المركز. يذكر أن السعودية تعمل على إرسال بعثات العلماء التثقيفية لموريتانيا، وتقوم بالإسهام ببناء الجوامع، وفي إطار دحر النفوذ الإيراني وخلايا التطرّف من منطقة الساحل الأفريقي، كما تقول المصادر السعودية، اشتركت السعودية في تحالف مع مجموعة «الساحل 5»، الذي يضمّ موريتانيا، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد.

الإمارات على خُطا السعودية.. دعم ونفوذ في موريتانيا

في الثالث عشر من يناير 2019، أي بعد ثلاثة أيام فقط من زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى موريتانيا، وصل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى الإمارات العربية المتحدة، لحضور حفل تكريم الفائزين بـ«جائزة زايد للاستدامة»، ومراسيم افتتاح «أسبوع أبوظبي للاستدامة».

قد حصل الرئيس الموريتاني أثناء تواجده في أبوظبي على عدّة اتفاقيات تنمويّة، من بينها اتفاقية بين «صندوق خليفة لتطوير المشاريع» و«صندوق الإيداع والتنمية الموريتاني»، إذ مُنح 25 مليون دولارًا أمريكيًّا تُصرف على مدى خمس سنوات لدعم وتعزيز ريادة الأعمال وتطوير المشاريع متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسّطة في موريتانيا، وتنضمّ هذه الاتفاقيات إلى سلسلة من المشاريع الإماراتية في موريتانيا؛ إذ تموّل الإمارات أسوة بالسعودية مشاريع تنموية حساسة في موريتانيا، كالطاقة والمياه والزراعة، ورعاية برامج لتطوير الحياة البرية، وتدعم بشكل مباشر الميزانية والأجهزة الأمنية.

وقد عززت أبوظبي اهتمامها بموريتانيا باعتبارها بوّابة دول الساحل بشكل متوازٍ مع الخطوات الأخيرة للسعودية، فمُباشرة بعد اختتام زيارة بن سلمان إلى نواكشوط تحدّث الإماراتيون عن زيارة مرتقبة لوليّ العهد الإماراتي محمد بن زايد.

وكانت واحدة من أبرز الخطوات الإماراتية في هذا الصدد، هي إبرام صفقة في ديسمبر 2018، تتولّى بموجبها شركة إماراتية تسيير مطار نواكشوط الدولي، تحت ذريعة ترشيد النفقات والبحث عن موارد جديدة، إذ منحت الحكومة الموريتانية مهمة تسيير أهم مطاراتها وهو مطار «أم التونسي» لصالح الشركة الإماراتية «آفرو بورت»، وذلك لمدّة 25 سنة مستفيدةً من العديد من المكاسب والامتيازات، كما حصلت دبي على مجموعة من المشاريع الضخمة في موريتانيا، مثل تكفّل شركة «مجموعة الإمارات الاستثمارية»، بإعداد مخطط شامل لمدينة نواكشوط لعام 2020، وبناء شركة «مصدر» الإماراتية محطّة للطاقة الشمسية.

وزاد التعاون العسكري والأمنية والاقتصادي بين البلدين في السنوات الأخيرة الماضية، فنشطت التجارة البينية بينهما لتبلغ سنويًا 48 مليون دولار، فيما وصلت قيمة الشحن البحري من الإمارات إلى موريتانيا 78.8 ملايين دولار أمريكي، والشحن الجوي 3.5 مليون دولار أمريكي، وتصدير السيارات 6.7 ملايين دولار، ووقعت موريتانيا مع الإمارات في مارس (آذار) الماضي عدّة اتفاقيات لتطوير التعاون التجاري، في مجالات الطاقة والثروة الحيوانية وتكنولوجيا الإعلام، وتم تشكيل مجلس مشترك لرجال الأعمال.

العلاقات مع إيران.. ورقة المساومة الموريتانيّة لكسب «الرزّ» الخليجي

وصل وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي في العاشر من يناير 2019 إلى موريتانيا حاملًا رسالة شفهية من الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى نظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.

ومن نواكشوط، صرّح حاتمي بالقول: «القارة الأفريقية تحظى باهتمام خاص في السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة في ما يتعلّق بقضايا الدفاع المشترك»، وتابع حاتمي القول: «نظرًا لأهمية الموقع الجغرافي لموريتانيا، بالنسبة لكافة المجالات، سنقوم ببحث آفاق التعاون الثنائي المشترك خلال لقائي وزير الدفاع الموريتاني وسبل تطوير تلك العلاقات إلى ما هو أفضل».

هذه الزيارة التي تدلّ على سعي طهران لتوسيع تواجدها في موريتانيا والتصدّي لنفوذ خصومها الخليجيين في شرق أفريقيا، وهو تحرّك يشبه ذلك الذي وقع بعد نحو أسبوعين من قطع موريتانيا لعلاقاتها مع قطر، حين زارها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 20 يونيو (حزيران) 2017، وأعلن رغبة طهران في تفعيل اتفاقات التعاون التي كانت وقعتها مع نواكشوط، خصوصًا في المجالين الاقتصادي والأمني.

كما يبدو أن إيران لن تعبأ بتلقّيها ضربة قوية من موريتانيا في مايو (أيار) 2018، حين قرّرت نواكشوط الانقلاب المفاجئ على طهران بوقف كافة نشاطات السفارة الإيرانية، وإنهاء عمل السفير، في إطار مواجهتها لمظاهر التشيّع كما قالت، وكان من جملة تلك الإجراءات إغلاق «مجمع الإمام علي» الشيعي في مقاطعة دار النعيم المموّل من الحكومة الإيرانية، وعزل إمام المجمع، وتعيين إمام جديد له، ووضع المجمع تحت وصاية وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصيل، وسبق أن اتخذت موريتانيا إجراءات صارمة ضد الأحزاب السياسية والهيئات التي ترتبط بإيران وحزب الله، ومنعت جميع الأنشطة الداعمة للحزب في الأراضي الموريتانية.

وقد أشيع عن نيّة الرئيس الموريتاني القيام بزيارة إلى العاصمة السورية دمشق حليفة إيران، واحتفظت موريتانيا بعلاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، وأبقت أبواب السفارة السورية في نواكشوط مفتوحة، كما عارضت نواكشوط بشدة تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وحين أوفدت وزيرها الأول مولاي ولد محمد الأغظف إلى دمشق خلال الثورة السورية، ردّت إيران الجميل لها عبر تعزيز التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي معها.

أدركت موريتانيا أهمية تقوية علاقاتها الدبلوماسيّة في المنطقة المغاربية ودول الساحل معًا، فتارة تدير وجهها نحو دول الساحل لتنخرط في تجمع النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، وتارة تتقرب من بلدان أوروبية، مثل: إسبانيا، وألمانيا، لإظهار استقلالية قرارها الخارجي.

ومباشرة بعد سقوط نظام القذافي، الحليف القويّ للرئيس الموريتاني، ولد عبد العزيز، فتحت نواكشوط ذراعيها لإيران التي رأت في توجّهات ولد عبد العزيز فرصةً ذهبية لتثبيت أقدامها في شمال أفريقيا وغربها عبر البوابة الموريتانية، فيما كانت موريتانيا تعوّل على الخبرات الإيرانية في استثمار الموارد الطبيعية وتنميتها، إذ أرسلت في يناير 2010 وفدًا موريتانيًّا رفيعًا لطهران بهدف فتح فُرص للاستثمار الإيراني في موريتانيا.

لكن سرعان ما أدركت السعودية خطورة النفوذ الإيراني في دول الساحل الأفريقي، خاصة مع تخوّفاتها الجمة من التغيرات التي تبعت ثورات الربيع العربي في 2011، فتوجّهت الرياض نحو موريتانيا، وأغرتها بالهِبات، والقروض، وبناء المؤسسات الخيرية، والمساجد، وذلك مقابل الانصياع الواضح للسياسة الخارجية السعودية، بداية من المشاركة في الحرب على اليمن إلى معاداة إيران، وليس أخيرًا مقاطعة قطر.

ومع ذلك بقيت نواكشوط مستعدة دائمًا للركض خلف مصالحها الاقتصادية والسياسية دون اعتبارات للعلاقات التاريخية السابقة، وتلك الحقيقة أدركتها دول خليجية مثل الكويت وقطر، خصوصًا بعد السوابق التاريخية المتكرّرة بين موريتانيا مع قطر، لعل آخرها حادثة إحراق صور الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمام منزل السفير القطري بنواكشوط.

وتقوم السياسة الموريتانية على اللعب على وَتَر عداوات الدول المتصارعة مقابل الحصول على المنح والاستثمارات والهبات، فبمجرد أي تحرك إيراني نحوها تتّجه إلى دول الخليج في محاولة للحصول على مكاسب اقتصاديّة، فقد استقبلت موريتانيا وزير الدفاع الإيراني قبل أيام. وحسب مراقبين فإنّ الموريتانيين مستاؤون من أنّ المشاريع التي تحدّث عنها السعوديّون خلال زيارة ابن سلمان لها بقيت مجرّد وعودًا لم تتجسّد، ومن عدم إيفاء ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بوعده بزيارتها مطلع شهر يناير، وهي رسالة بأن موريتانيا لم تعد ضمن أولويات الإماراتيين.

المصدر : "ساسة بوست"