الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > إسلاميو موريتانيا يغازلون السلطة ويتصدرون المشهد ويثيرون انتباه الجميع

إسلاميو موريتانيا يغازلون السلطة ويتصدرون المشهد ويثيرون انتباه الجميع

الجمعة 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014


يتساءل مراقبو المشهد السياسي الموريتاني حاليا وهم في حيرة كبيرة، عن أسباب التقارب الملاحظ بين نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز وإسلاميي موريتانيا المنضوين في حزب التجمع والذين كان الاعتقاد سائدا بأنهم خصوم السلطة الأوحدون وبأن استهدافها لهم مسألة قريبة لا محيد عنها.

ويتجلى هذا التقارب في أمور بينها تسلم الإسلاميين بسلاسة بالغة لقيادة مؤسسة المعارضة في حفل مهيب، وتلقيهم بتلك المناسبة تهاني حارة من رئيس الحزب الحاكم ومنها الإعلان عن مقابلة وشيكة بين زعيم المعارضة الجديد والرئيس ولد عبدالعزيز؛ ومن مظاهر هذا التقارب مقابلة نائب رئيس حزبهم القيادي البارز محمد غلام الحاج أمس للوزير الأول الموريتاني يحيى ولد حدامين حيث تشاور معه حول السبل الكفيلة بتنظيم انتخابات تجديد فرق مجلس الشيوخ المعطل منذ عدة سنوات.

وبالتوازي مع هذه الهيمنة بدأ رئيس حزب التجمع حملة سياسية بولاية دخلت نواذيبو العاصمة الاقتصادية تشمل انشطة وحوارات سياسية وتجمعات جماهيرية وزيارات ميدانية.

فقد أظهرت هذه الأحداث هيمنة الإسلاميين على الساحة وتقاربا واضحا وتنسيقا سلسا غير معهود مع السلطات، كما أظهرت ان حضور الإسلاميين أصبح يغطي على المعارضة التقليدية التي أصبحت متجاوزة ولا حضور لها بالإطلاق، وفقا لتقييمات المراقبين.

فهل الأمر يتعلق بصفقة سرية بين الخصمين أم هي الصدف والأحداث انساقت واتسقت لتفرز هذا المشهد المريب؟
رغم هذه الوقائع الواضحة فلا يرى الصحافي محمد سالم محمدو رئيس تحرير صحيفة «السراج» المحسوبة على الإخوان، وجود أي تقارب بين السلطة وإسلاميي حزب التجمع.

ففي توضيحات للقدس العربي أمس يقول «ان الدليل على عدم وجود تقارب هو التصريحات المنسوبة للرئيس ولد عبدالعزيز خلال الأسابيع الماضية والتي نشرتها مواقع الكترونية وتضمنت كثيرا من التشدد تجاه حزب التجمع وزعيمه محمد جميل ولد منصور».

ويضيف محمد سالم «تبقى الأحداث الأخيرة، المتعلقة بتسليم مؤسسة المعارضة بعد كثير من التردد والرفض، وكذا بتهنئة رئيس الحزب الحاكم للزعيم الجديد ولقاء الوزير الأول لنائب رئيس حزب «تواصل» ضمن لقاءات شملت أربعة ممثلين آخرين للأحزاب المشاركة في الانتخابات الماضية، كل هذه الملامح لا تعطي صورة تقارب محدد، وواضح المعالم».ويتدارك ولد محمدو قائلا «.. يبقى التذكير بأن الظرف المحلي والإقليمي قد يدفع أو ينبغي ان يدفع إلى حوار أو شيء من تذويب الجليد بين النظام والقوى المعارضة وحزب التجمع جزء منها».

وحول ما إذا كان الإسلاميون وفروا للنظام بديلا سهلا ولين العريكة عن المعارضة التقليدية يقول «في تصوري ان مؤسسة المعارضة لم توفر بديلا عن المعارضة الراديكالية أيام كانت بيد تلك المعارضة، فمؤسسة المعارضة ولدت ميتة ولم يكن لها أي دور خلال الفترة الماضية، باستثناء إثارة مستوى كبير من الخلاف حولها تأسيسا وإدارة، وإلا فلا أحد يذكر لها موقفا ولا بيانا ولا تفاعلا مع أي قضية من القضايا السياسية».

وبخصوص اللقاء المرتقب بين الرئيس ولد عبدالعزيز وزعيم المعارضة الجديد الإسلامي الحسن ولد محمد يقول رئيس تحرير «السراج»، «هنالك لقاءات مرتبة قانونيا بين رئيس الجمهورية ورئيس مؤسسة المعارضة، وقد وقعت هذه اللقاءات خلال فترة الرئيسين الماضي والحالي مع الرئيس السابق للمعارضة الزعيم أحمد ولد داداه لكنها لم تجد في الماضي ولن تجدي في الحاضر، والأمر يترتب على موقف النظام من رغبة المعارضة في الحوار».
أما الكاتب الصحافي حنفي ولد دهاه فقد أكد في تصريحات أمس للقدس العربي «ان ما يعتبره البعض تقاربا هو مجرد إقدام وإحجام الإسلاميين وفق ما تمليه عليهم المصالح، ولو كانت على حساب خيار معارضة النظام ومناوأته».
ويضيف قائلا «الأمر يتعلق بالخط البراغماتي لحزب «تواصل» الإسلامي الذي تعود في كل مسيرته السياسية، ان يقدم في المواطن التي يحجم فيها زملاؤه في منسقية المعارضة، حينما يتأتى له ان يحقق بذلك مكاسب سياسية ولو على حساب الخط العام للطيف السياسي المعارض».

ويتابع «المواقف التي يتخذها حزب تواصل الإسلامي تحمل في طياتها تناقضات كبيرة، فالحزب الذي شارك في الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة، لم تقنعه، كما قال قياديوه، مبررات المعارضة لمقاطعتها، ولكنه يسوق المبررات ذاتها لتفسير مقاطعته للرئاسيات الأخيرة».
«والحقيقة، يقول ولد دهاه، ان الدوافع التي دفعت الإسلاميين للإقدام على المشاركة في الانتخابات التشريعية هي معرفته انه سيكسب في انتخابات لم تشارك فيها أحزاب معارضة ذات وزن مثل تكتل القوى القوى الديمقراطية، ما لن يكسبه في ظل مشاركتها، وهذا في النهاية ما جناه حزب «تواصل» فهو الحزب الوحيد في منسقية المعارضة الممثل في البرلمان، وهو الحزب الذي انتدب منه زعيم مؤسسة المعارضة، الممولة من الدولة، والتي يلتقي رئيسها رئيس الجمهورية بشكل دوري».
«أما الرئاسيات، يقول ولد دهاه، التي تم تنظيمها بقرار أحادي فقد كان من الواضح انها لا تحمل مكاسب سياسية للحزب الاسلامي، لذا قرر مقاطعتها».

وبخصوص مغازلة الإسلاميين للنظام يقول «رغم ان لحزب «تواصل» تاريخا في مغازلة نظام ولد عبدالعزيز، بتجليات عدة، وصلت في بعض الأحيان لدرجة حولت زعيمه الروحي محمد الحسن ولد الددو لمستشار ديني لولد عبدالعزيز، ولوسيط مشفع في بعض أكثر المشاكل تعقيدا (مثل مشكلة الرئيس مع رجال الأعمال من أبناء عمومة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع).. ايامَ كانت تشكيلة «تواصل» تصف نفسها بالمعارضة الناصحة لا الناطحة، كما أصبحت تصف نفسها فيما بعد.. رغم كل ذلك، فانني أعتقد ان هذا التقارب اتفاقي وليس مقصودا.. بمعنى انه لم يأت مبيّتا له، ولا هو نتيجة حوار أو اتفاق سري أو علني، بل ان الظروف هي التي حركت الأمور من حوليهما (النظام والمعارضة) فوجدا نفسيهما في تقارب تلقائي».

ويضيف ولد دهاه «فمصلحة «تواصل» في تصدر المعارضة، حتى لا يكون أقل شأنا من الأحزاب الاسلامية الأخرى في العالم العربي، وهو ما لن يتأتى إلا من خلال «جريه في القفر منفردا».. كما ان مصلحة النظام التعاون مع حزب اسلامي، بالغ الدوغمائية، يمسك النظام له من الملفات الأمنية والسياسية وحتى المالية ما يمكنه به كبح جماحه ان طفح».

يذكر ان الحكومة الموريتانية وجهت ضربة قوية لجماعة الإخوان في موريتانيا، بقرارها إغلاق جمعية المستقبل، أكبر جمعية إخوانية في موريتانيا في شهر إبريل/ نيسان الماضي، وهو القرار الذي فسر بأنه تحذير للجماعة، التي نجحت في حصد مقاعد غير متوقعة في انتخابات البرلمان نهاية العام الماضي بعد الحزب الحاكم.

ومع ان العلاقة بين النظام الموريتاني والتيار الإسلامي شهدت تصعيدات متبادلة من الجانبين، فإنها حملت كذلك مؤشرات سعي كل طرف للاستفادة من الآخر، فبينما استفاد الإسلاميون من النظام في تجذير وجودهم سياسيا واجتماعيا، فإن النظام استعان بهم للتعامل مع الاستحقاقات السياسية التي رفضت المعارضة الجادة المشاركة فيها كما وقع في الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة، وكذا التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ الذي تتواصل حاليا مشاورات حوله.
وإذا كان النظام الموريتاني يخفي مرحليا مخالبه عن الإسلاميين فإن على إخوان موريتانيا ان يعرفوا ان مصلحتهم والمحافظة على مكاسبهم وفي مقدمتها حزبهم السياسي، يكمنان في التوبة السياسية والانثناء عن الانجرار وراء التيار الإخواني الدولي وتداعيات الأزمة المصرية، والانخراط ضمن إطار وطني موريتاني بصيغة معزولة عن التداعيات الإقليمية.

المصدر : «القدس العربي»