الصفحة الرئيسية > الأخبار > سياسة > موريتانيا: المعارضة منقسمة بشأن مقاطعة الانتخابات التشريعية

موريتانيا: المعارضة منقسمة بشأن مقاطعة الانتخابات التشريعية

الأحد 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2013


بعد تعليق جلسات الحوار بين السلطة والمعارضة الراديكالية، واستمرار الأولى في ترتيبات إجراء الانتخابات المحلية والبرلمانية فى 23 نوفمبر، قررت أحزاب منسقية المعارضة، يوم الجمعة 4 أكتوبر، مقاطعة الانتخابات والعمل على إفشالها، غير أن حزب “تواصل” (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) رفض الالتزام بقرار رفاقه فى المعارضة وأعلن مشاركته منفردا فى تلك الانتخابات.

وقال الناشط السياسي المعارض، الشيخ ولد السالك، فى اتصال مع “رؤية”، إن قرار حزب “تواصل” بالخروج على إجماع المعارضة استياء واسعا فى صفوف أنصار المعارضة، إذ يعتبرونه خيانة لميثاق الشرف الموقع بين أحزاب منسقية المعارضة فى 2012 والقاضي بعدم مشاركة أحزابها منفردة فى الانتخابات، فضلا عن كونه تمزيق لوحدة المعارضة فى ظرفية حرجة تتميز بتجاهل النظام لمطالبها وسعيه الى جرها الى انتخابات لا تتوفر على الحد الأدنى من معايير الشفافية.

فيما ترى الاعلامية والناشطة السياسية، مكفولة بنت ابراهيم، بأن مشاركة حزب الإسلاميين، وهو أحد أحزاب المعارضة الرديكالية، فى الانتخابات دون شروط يمثل مكسبا مهما للنظام ليس لأنه يشكل انقساما في صف المعارضة وإضفاء للشرعية على انتخابات تقاطعها بقية المعارضة فحسب، بل تمثل مشاركة الإخوان المسلمين تراجعا عن خطابهم السابق الداعي الى إسقاط نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز من خلال التظاهر فى الشارع، وهو الشعار الذي دفع الإسلاميون بافي أحزاب منسقية المعارضة الى تبنيه قبل عامين.

وأضافت بنت ابراهيم، فى حديث مع “رؤية”، أنه ميدانيا، لا يعكس مستوى التأييد الشعبي لحزب “تواصل” حضورا قويا للإسلاميين يمكن أن يكون عامل إغراء كبير لهم لتفسير خروجهم على قرار المعارضة بمقاطعة الانتخابات، إذ لا يحتمل أن يحصد الإسلاميون فى الانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة نتائج أكبر من تلك التي حصلوا عليها فى الانتخابات الأخيرة قبل سبع سنوات (4 بلديات من أصل 216 بلدية، و4 نواب من أصل 95 نائبا). ورجحت بنت ابراهيم ان يكون الدافع وراء مشاركة الإسلاميين ليس الرهان على تحقيق نتائج “مشرفة” فى الانتخابات وإنما السعي الى استغلال مقاطعة المعارضة الراديكالية للفوز برئاسة مؤسسة زعيم المعارضة الديمقراطية والتى من شروط ترؤسها حصول حزب معارض على اكبر عدد من النواب، وهو ما قد يكون سهلا هذه المرة على الإسلاميين لمقاطعة باقي أحزاب منسقية المعارضة للانتخابات.

وبعد 24 ساعة على إعلان “تواصل” مشاركته فى الانتخابات، تراجع حزب اتحاد قوى التقدم اليساري المعارض، وهو الخصم الإيديولوجي للإخوان المسلمين، عن مقاطعته للانتخابات وقرر فى ساعة متأخرة من ليلة السبت المشاركة فيها. وهو ما فسره المراقبون بأنه محاولة من الحزب اليساري لمنع الإسلاميين من الظفر برئاسة مؤسسة المعارضة ومنافستهم فى الانتخابات، خصوصا ان الحزب اليساري حصد فى انتخابات 2006 تسعة مقاعد فى البرلمان جعلته ثاني أكبر حزب معارض مقابل حصول الإسلاميين على 4 نواب.

وينص الدستور الموريتاني منذ 2006 على وجود هيئة تسمي مؤسسة زعيم المعارضة يكون زعيمها رئيس الحزب السياسي المعارض الحاصل على أكبر عدد من النواب، ويمنح زعيم المعارضة رتبة وزير ويلي الوزير الأول مباشرة في الترتيب البروتوكولي، وتتمتع مؤسسة المعارضة بالحصانة والاستقلالية المالية وتمنحها الدولة ميزانية سنوية تناهز 700 ألف دولار. وكان يرأس الهيئة المعارض المشهور، أحمد ولد داداه، رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية (حزب ليبرالي) والذي يعتبر أكبر أحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان، وهو من الأحزاب المقاطعة للانتخابات البرلمانية المقررة فى 23 نوفمبر المقبل.

ولا يستبعد المتتبعون للشأن السياسي استئناف السفراء الغربيين (خصوصا فرنسا المستعمر السابق وصاحبة التأثير الكبير على السلطة) لوساطاتهم التي قادت في الأسابيع الماضية الى قبول المعارضة والسلطة بالحوار المباشر دون شروط مسبقة. فبالنسبة لفرنسا فان أي انتخابات برلمانية ما لم تكن تحظى بمشاركة كافة الفرقاء السياسيين لن تفضي الى إنهاء حالة الاستقطاب السياسي الطويلة وما تحمله من مخاطر على الاستقرار فى بلد تعتبره فرنسا مجالا حيويا لمصالحها الإستراتيجية فى منطقة الساحل الإفريقي. وسبق للاتحاد الأوروبي أن ربط تمويله للانتخابات بأن تكون محل توافق بين الجميع والاحتكام إليها لإنهاء أزمة شرعية المؤسسات الدستورية.

سنوات من الاحتقان السياسي

تعيش موريتانيا أزمة سياسية مستمرة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز سنة 2008 للإطاحة بالرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. وبالرغم من أنه تم التوصل في سنة 2009 إلى اتفاق بين المعارضة والسلطة في العاصمة السنغالية (اتفاق داكار) تم على أساسه تنظيم انتخابات رئاسية، إلا أن ذلك الاتفاق لم يستطع إنهاء الأزمة نظرا لأن المعارضة تتهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتزوير الانتخابات والامتناع عن تطبيق باقي بنود الاتفاق التي كانت تنص على ضرورة مواصلة الحوار من أجل التوصل إلى شراكة في السلطة بين المعارضة والنظام.

وقد دأبت المعارضة على رفض الاعتراف بشرعية السلطة الحاكمة وصعدت من مطالبها في بداية سنة 2011 مع تزايد الاحتجاجات في بعض الدول العربية، حيث أعلنت مطالبتها برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن السلطة ونظمت العديد من التظاهرات الشعبية وشنت حملة تعبئة واسعة في مختلف أرجاء البلاد، قابلتها السلطة بتشديد الاجراءات الأمنية وقمع التظاهرات المناهضة لها بما فيها تظاهرات الشباب والعمال، مما نجمت عنه أجواء احتقان وصلت في بعض الأحيان درجة من الحدة هددت استقرار البلاد.

وفي حين يرفض تحالف الأحزاب المساند للرئيس ولد عبد العزيز الاعتراف بوجود أية أزمة، فإن معارضته متمثلة في “منسقية المعارضة الديمقراطية” تعتبر أن السلطة الحالية أدخلت البلاد في أزمة سياسية ودستورية واكبها فشل تام في إدارة الدولة وتدهور حاد في ظروف معيشة السكان ونهب ممنهج لثروات البلاد، فضلا عن مغامرات عسكرية على أراضي أجنبية (الصراع في شمال مالي) وتخبط دبلوماسي أضر بالأمن والسلم في المنطقة كلها وأفسد علاقات موريتانيا مع الحكومات والشعوب المجاورة.

وقد ضاعف من عمق هذه الأزمة الاعلان عن إحصاء عام للسكان اعتبر الزنوج الموريتانيون أنه موجه ضدهم لسحب الجنسية الموريتانية من بعضهم. ونتيجة لبطء إجراءات هذا الاحصاء الذي لم يعد من الممكن تنظيم انتخابات قبل الانتهاء منه، فقد تم تأجيل الانتخابات البرلمانية والبلدية عن الأجل المحدد لها دستوريا (نوفمبر 2011) واضطرت السلطة للتمديد للهيئات القائمة بعد انتهاء مأمورياتها.

وفي نفس الوقت انفجرت المطالب الاجتماعية بفعل قساوة الجفاف والانتشار الواسع للفقر، حيث أصبحت باحة القصر الرئيسي مسرحا للتظاهرات شبه اليومية، كما تكاثرت الحركات الفئوية سواء تلك الحاملة لمطالب الزنوج الأفارقة مثل حركة “لا تلمس جنسيتي” أو تلك المطالبة بانعتاق لحراطين (العبيد السابقين) مثل “المبادرة من أجل الحركة الانعتاقية”، مما أضر بالنسيج الاجتماعي للشعب وعمق الشرخ بين مختلف مكوناته لدرجة أن شبح الحرب الأهلية بات مخيما على الجميع.

ولمواجهة هذه الوضعية لجأت الحكومة إلى تشديد قبضتها الأمنية تجاه الحركات الاحتجاجية والدخول في حوار مع بعض أحزاب المعارضة بقيادة رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير، أسفر عن مراجعة القوانين الانتخابية وتشكيل لجنة مستقلة للانتخابات. غير أن تلك الاصلاحات لم تكن كافية بالنسبة لمنسقية المعارضة وإن كانت قد مهدت لتحولها من شعار “ترحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عبر المظاهرات” إلى ترحيله من خلال الانتخابات. وهو ما جعلها تقبل بالمبادرة التي تزعمها رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير والتي تقضي بضرورة جلوس مختلف الأطراف حول طاولة حوار واحدة لتجعل من الانتخابات المرتقبة فرصة لخروج البلاد من أزمتها السياسية.

المصدر : شبكة "رؤية"