الصفحة الرئيسية > ثقافة > حكاية تراثية‏:‏ أحفاد سدوم يصدحون طربا في موريتانيا

حكاية تراثية‏:‏ أحفاد سدوم يصدحون طربا في موريتانيا

الأحد 14 نيسان (أبريل) 2013


اشتهرت موريتانيا بأنها بلد المليون شاعر والمليون مخطوط وإن لم تقدم موريتانيا للعالم اختراعا حديثا فقد اخترعوا صيغا مغايرة ومتميزة للأدب وتجلت عبقريتهم في النوع الشعبي منه‏,‏ صبوها في الشعر والغناء الشعبي بأنماط متعددة منها ما يسمي عالم وهو شعر الفقهاء‏,‏ ينظمونه لتقريب الفقه والنمو للدارسين‏,‏ والغزوات وألفية ابن مالك‏.‏

و هناك شاعر الـ ايكادون وهم الشعراء المتخصصون في مدح السادة والأمراء ويسمي نمطهم الشعري التهيدين الشعر الشعبي الملحمي وتقتصر نظمه علي هذه الفئة فقط وأي شاعر آخر ليس له أن ينظم الـ اتهيدين وإن فعل تكون له سبة وفضيحة.
والنمط الثالث من الشعراء هم فئة الايجاوين الذين كانوا يعيشون علي السادة والمحاربين كظلهم وفي كفالهم المادية والإنسانية وليس لهم مهنة أخري ويذهبون معهم للحرب لا للقتال ولكن للتشجيع وشحذ الهمم, ولا يستطيع العدو قتلهم إن أسرهم لأن ذلك معرة ومسبة بل يكرم ويبجل ويمنح عطايا أكثر مما يعطيه مولاه لتفادي ذمه وقدحه الذي قد يعصف بسمعة قبيلة علي غرار ما كان لدي القبائل القديمة في الجزيرة العربية فغض الطرف إنك من نمير.. فلا كعبا بلغت ولا كلابا.وظلت مهنة الايجاوين تتوارث حتي لو لم يكن الوريث شاعرا موهوبا أو موسيقيا مبدعا وظلت حقوقه المتوارثة علي المجتمع, يدخل أي دار ويطلب ما يريد والا كان عارا في جبين صاحبه وقبيلته تؤدي به الي الانحطاط الاجتماعي في حالة هجوه.
ومازال هناك عدد من المغنيين والشعراء من أسلاف المغنيين والشعراء التاريخيين في المجتمع مثل مغنية موريتانيا الشهيرة ديمي الراحلة وهي من أحفاد مغني موريتانيا الأشهر سدوم الذي يعرفه تاريخ هذه البلاد بأنه أشهر وأقوي من تغني في الصحراء, وكان شعره سببا في الحط من أقدار أناس وإعلاء شأن آخرين,
يقول الدكتور حسن محمد عبدالله الباحث المتخصص في التراث الشعبي الموريتاني: نصف شهرة قبيلة إيدوعيش المحاربون الأقوياء الأشداء جاء من مدح سدوم ولد أنجرتو الذي كان علي رأس مغنيين وشعراء عصره الـ أيكادون وصاحب أشهر القصائد المغناة في تاريخ موريتانيا تفرغ زينة ومعناها تنتهي جميلة, و هو اسم أحد أرقي أحياء العاصمة نواكشوط الآن.. وقد حاول أبناء عمه اغتياله حسدا لاستئثاره بالأمير هنون ولد بو يوسف الذي مدحه بها.وتاريخيا كان لهذه الفئة نظرة مختلفة من المجتمع, فالناس يخافون من ألسنتهم ويطمعون في مدحهم, ويمثل الشاعر ذاكرة المجتمع وخيمته حرم آمن وله دور اجتماعي تواصلي فهو مكمن سر الأمير وأهل الحي والساعي بينهم للإصلاح وينوب عن الصغير في أي طلب مثل إعلان رغبته في الزواج مثلا. ولذلك فلهم كلمة تحترم و هذا مستمد من قيمة سدوم الذي تحفظ له الذاكرة الشعبية حكايات تؤكد أصالته ونبله, ومنها رفضه لعرض أحد الأمراء بالانتقال معه الي قبيلته مقدما له إغراءات كثيرة وفرفض وقال لا أختار أحدا عليهم, فقرروا أن تمنحه كل عائلة منهم ومن أتباعهم شاه كل عام وله عرجون بلح من كل نخلة تطرح في أراضي القبيلة الممتدة علي مساحة ولايتين في موريتانيا وظهر كل جمل ينحر وله أيضا عند كل زيجة تتم في القبيلة ناقة ومن كل شاة تذبح نصيب,, وهو ما استمر حتي الآن, وحفيدته ديمي الفنانة التي تلقب بأم كلثوم موريتانيا واحدة من نسله. وقد قام والدها بتلحين النشيد الوطني بعد الاستقلال.

المصدر : الأهرام (مصر)