الصفحة الرئيسية > الأخبار > مجتمع > التعدد في موريتانيا «محظور» عربي تقليد إفريقي

التعدد في موريتانيا «محظور» عربي تقليد إفريقي

الجمعة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011


«تعدد الزوجات» مثار جدل بين شعوب وأمم كثيرة، وحتى بين المسلمين الذين يجوز لهم التعدد بشروط، فلا يزال الجدل دائراً حول هذه الشروط . جاءت «الاجتهادات» الشرعية والمدنية في العصر الحديث محاولة «محاصرة» التعدد، فأقدمت أكثر من دولة إسلامية على حظر التعدد في قوانين الأحوال الشخصية، ودول أخرى اشترطت الحصول على موافقة الزوجة الأولى.

في موريتانيا البلد المحافظ، ينقسم موقف المجتمع من تعدد الزوجات بحسب العرق، فتعدد الزوجات ممنوع على الأغلبية العربية بشكل مطلق لا يقبل الجدل . ولهذا اضطر «المعددون» القلائل إلى انتهاج السرية التامة خلال زواجهم من زوجة ثانية عليها العيش في غياهب المجهول بالنسبة للزوجة الأولى التي ستغادر العش الزوجي حتى قبل الحصول على الطلاق فور علمها باقتران زوجها بامرأة ثانية.

الزوجة الأولى في الشريحة العربية الموريتانية لا تقبل التعدد بأي شكل، وهي التي اشترطت عند العقد «أن لا امرأة سابقة ولا لاحقة، وإلا فأمرها بيدها».

وإذا حصلت المعجزة وقبلت الزوجة الأولى العودة لبيت الزوجية، فذلك بشروط جديدة (مادية ومعنوية) تعرف محلياً ب «أمسكري»، وأولها تطليق ضرتها وإعلان البراءة منها بتحريمها بالثلاث.

ويقول معارض سياسي موريتاني بارز «عشت في عهد الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيداله مطارداً من أشرس جهاز أمني عرفته البلاد، ونجوت دائماً بفضل التكتيك الأمني الذي اتبعته والذي دوخ عملاء الاستخبارات، لكن عندما تزوجت سراً لم يأخذ الأمر أكثر من ليلتين لأفاجأ بزوجتي الأولى تدخل علي طالبة الطلاق».

أما في شريحة الأقلية الإفريقية الموريتانية بقومياتها الثلاث (الفلان والسوننكي والولف)، فإن تعدد الزوجات شائع، بل إنه مرغوب من الناحية الاجتماعية . ولعله من غرائب الأمور في هذا المجال أن الزوجة الأولى تكون غالباً هي الخاطبة لزوجها، وتقترح عليه الزواج من هذه أو تلك، وتذهب للقاء ذوي الخطيبة لتخطب يد امرأة أخرى لزوجها . وهذا تقليد كان سارياً على نطاق واسع ولا يزال، وإن كان زخمه بدأ يخف خلال العقدين الماضيين مع تحرك نخبة المتعلمات من الخريجات والموظفات الإفريقيات لوضع حد لهذه الظاهرة من دون أن تحقق جهودهن حتى الآن غير «القليل جداً».

مسؤولات إفريقيات دفعن ثمن رفضهن للتعدد «طلاقاً»، ومن بينهن موظفة سامية الآن بوزارة شؤون المرأة.

كانت أول امرأة من الأقلية الإفريقية الموريتانية تحاول وضع حد لتعدد الزوجات، هي أول وزيرة في تاريخ البلاد، «عائشة كان» التي نجحت في السبعينات من القرن العشرين بدفع الحكومة لتمرير قانون يحظر تعدد الزوجات، إلا أن زوج الوزيرة كان غادرها في نفس اليوم الذي صدر فيه القانون ليعود إلى البيت بزوجة ثانية، قبل إلغاء القانون بسرعة قياسية وتعتيم الحكومة على الأمر.

وفي الثمانينات، تولت مريم بنت أحمد عيشة قطاع النساء في نظام الرئيس معاوية ولد الطايع، ورغم أن تعدد الزوجات محظور في أوساط الأغلبية العربية التي تنتمي لها بنت أحمد عيشة، وجهت انتقادات لتعدد الزوجات، ما جعلها تواجه موجة من الانتقادات ذهبت ببعض المتشددين إلى تكفيرها ومطالبة زوجها بتطليقها . وعانت الحكومة حرجاً شديداً وبذلت جهوداً كبيرة لتهدئة الوضع الذي أثارته تصريحات المسؤولة الحكومية وتطلب الأمر وقتها تدخل علماء بارزين وحركات سياسية لتهدئة الضجة التي أثارها انتقاد تعدد الزوجات.

وخلال شروع السلطات الموريتانية في إعداد «مدونة الأحوال الشخصية» الحالية التي صدرت سنة 2001 حاولت شخصيات نسائية وضع بند يمنع تعدد الزوجات، واقترحت تلك الشخصيات صياغة بالغة الذكاء لتمرير المنع، لكن الحكومة لم تقبل الاقتراب من الموضوع، وصدرت المدونة وفق المذهب المالكي.

وخلال العقدين الماضيين، حاولت مجموعة من المنتسبين للتيار السلفي إشاعة تعدد الزوجات في الوسط الاجتماعي العربي الموريتاني، لكن الأمر لم ينجح في تجاوز التقاليد الاجتماعية في هذا المجال، واقتصر على حالات معدودة.

تيار الإخوان المسلمين آثر منذ البداية الابتعاد عن ملف تعدد الزوجات، فيما فسره البعض بمحاولة التيار تجنب إثارة حساسية شريحته النسائية التي تعد قوة سياسية كبيرة وفاعلة.

ويسخر قيادي سياسي مستقل بقوله «الإخوان لم يقوموا هذه المرة بمهمتهم، وصمتوا خوفاً من نسائهم».

ويمكن القول إن «الحرب» على تعدد الزوجات في موريتانيا انتهت قبل أن تبدأ بهزيمة معسكر النساء لتبقى الأمور على ما كانت عليه «ظاهرة معدومة في الشريحة العربية بفعل التقاليد الاجتماعية ولكن من دون ضمانات قانونية بعدم الاعتداء (التعدد)، بينما هي ظاهرة ممارسة ومرغوبة في الشريحة الإفريقية».

المصدر : دار الخليج