الصفحة الرئيسية > رأي > المغرب : انتخابات مبكرة في سياق «ثوري»

المغرب : انتخابات مبكرة في سياق «ثوري»

الاثنين 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011


عائشة التاج — الرباط

مما لاشك فيه أن سنة 2011 أسست لتغييرات جوهرية على مستوى الخريطة العربية ومعها الرهانات الجيو استراتيجية للمنطقة بأكملها ,حيث دشنت الثورة التونسية سقوط نظام بنعلي ليتلوه مبارك ثم القذافي ولازال رأسا صالح وبشار في عنق الزجاجة ولازال الحبل على الجرار ....يشي بانجراف تربة الاستبداد نحو مزبلة التاريخ و بنهايات غير مأمونة العواقب للطغاة العرب وغيرهم من طغاة العالم ربما على المدى المتوسط .

طوفان شعبي عرفته المنطقة ، ووصل رذاذه للعديد من البلدان .... قد يختلف في سقفه وزخمه ونوعية تنظيمه لكنه يتوحد حول مطالب الحرية والكرامة والعدالة , حيث تشكل ثنائية السلطة والثروة المحور المركزي الذي تدور في فلكه باقي المطالب.
في هذا السياق التاريخي الهام جدا تأتي الانتخابات التشريعية المبكرة في المغرب وهي إحدى الإجابات التي اعتمدها النظام المغربي بعد سلسلة إجراءات أهمها التعديل الدستوري في مواجهة مطالب حركة 20 فبراير التي واظبت على مسيراتها الاحتجاجية سواء منها الوطنية أو المحلية طوال 9 أشهر بالتمام والكمال.

اكتمال الحمل ،أية ولادة ؟

ويشكل شهر نوفبر بالتأكيد إحدى المحطات الحاسمة في حياة هذا الحراك المغربي ولم لا
فترة ولادة الجنين المنتظر الذي سيهل علينا بعد مخاض عسير لم يخل من أوجاع بالغة الحدة وأحداث دراماتيكية تركت ندوبا في الجسم المغربي مؤرخة لفترة حاسمة في هذا العراك الشعبي مع المخزن بمداد ملؤه الجرح والدم والألم , لا زال المخاض في أوجه . . . . .ولازال أنين التضور يصم الآذان ولازال الجميع ينتظر الولادة فترى بأية طريقة ستكون ؟ أطبيعية أم بعملية قيصرية ؟ نتمنى على أية حال ألا تشبه تلك الولادات المهينة للكرامة في مستشفيات الدولة .

الانتخابات التشريعية آخر أوراق المخزن :

لربما كانت ورقة الانتخابات آخر ورقة يلعبها النظام المغربي لامتصاص غضب الشارع ومعه تأثير الثورات العربية إقليميا مما يضع البلاد أمام مفترق الطرق :
• طريق تأكيد الإصلاح الذي اعتمده المخزن و وكلاؤه المعتمدين من أحزاب ومجتمع مدني ونخب مستفيدة تدور في فلك النظام وتقتات على ريعه الاقتصادي أو السياسي أو الإداري وهو إصلاح حسب مقاس الثوابت المخزنية يضمن للقصر دوام التحكم في أغلب السلط برغم الواجهات البراقة لنصوص دستورية حبكت بشكل تضمن فيه حقوقا بيد وتزيلها بيد أخرى بدهاء كبير راكمه النظام طوال قرون من الحكم ومكنه من تدبير أقل عنفا للربيع العربي على أرض المغرب .
• وطريق التغيير العميق الذي من شأنه بناء مؤسسات حقيقية تضمن توزيعا عادلا للسلطة والثروات وكذا إدماجا حقيقيا لجحافل المقصيين والمهمشين الذين لم تفلح بعد أوراش التنمية البشرية التي تفتقت عليها عبقرية خبراء المخزن من تمكينهم اقتصاديا أو اجتماعيا علما أن تقرير الأمم المتحدة الأخير أعطى للمغرب مكانة 130 ضمن 182 دولة ،و بمؤشر للتنمية البشرية هو 0.654.

هل أخفى ماكياج مبادرة التنمية البشرية تجاعيد واقع البؤس والأقصاء ؟؟

وجه المغرب الحقيقي بعيون التقارير الدولية

لقد صنف المغرب في تقرير هذا العام في المرتبة 15 عربيا من بين 20 دولة عربية مصنفة، مسبوقا بالجزائر ومصر وفلسطين وسورية. ويكفي أن تكون فلسطين التي تعاني من الاحتلال متفوقة على المغرب في أدائها التنموي وكذلك سوريا التي تعيش أحداثا ملتهبة كي يبرز حجم الفشل الرسمي في تحقيق خطاباته التطمينية وشعاراته البراقة التي تستقي مفاهيمها من أكثر المعاجم الديموقراطية لمعانا ،إمعانا في التمويه و في إنتاج وهم تنموي يكاد يشبه السراب في زئبقيته تماما مثل النخب التي ركبت صهوة الجواد المخزني ،المحمل بالثروات العمومية عسى أن يصله بعض فتاتها ، تاركة جماهير المقصيين والمظلومين ليتمهم ،يصوغون ملحمة الخلاص بطرقهم الخاصة جدا .

بلغة الأرقام نستقي المؤشرات الناطقة بحجم الفعالية من عدد من التقارير الدولية :

• التعليم : تصل نسبة الامية55.6 في المائة، نسبة التمدرس 56,1 % بالنسبة للابتدائي ما بين 2005 و2010 ،نسبة ولوج التعليم العالي لا تتجاوز 12,9 % .
• نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي - 2005 : 4,19 دولار أمريكي .
• ترتيب نصيب الفرد من الدخل القومي ناقص الترتيب حسب دليل التنمية البشرية : المغرب ناقص 15 - الجمهورية السورية – 5 .
• نسبة عدم المساواة 23 % - دليل الدخل معدلا بعامل عدم المساواة ما بين الجنسين .رغما عن كل الشعارات التي تسوق لمقاربات النوع بالمغرب , علما أن الجهود المتبعة مع أهميتها تظل مجزأة ومبتورة من سياق المقاربات المندمجة الفعلية .
• لقد صنف تقرير اليونسكو حول التعليم المغرب في أواخر ترتيب الدول التي شملها التقرير وضمن البلدان الخمسة الأكثر تخلفا على مستوى نظامها التعليمي إلى جانب كل من موريتانيا واليمن وجيبوتي والعراق ،-علما أن كل هذه البلدان عاشت حروبا واضطرابات تبرر تقهقرها ، إذ حل في الرتبة 106 على مؤشر تطور التعليم من أصل 128 بلدا .وقد كان تقرير البنك الدولي عن التعليم ببلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط الذي صدر سنة 2009 قد صنف المغرب في المرتبة 11 من بين 14 دولة متأخرا عن كل الدول العربية بما في ذلك قطاع غزة الذي يعيش تحت وطأة الحصارالصهيوني الغاشم .
• الصحة : تصل نسبة وفيات الأمهات أثناء الوضع إلى 330 حالة من بين كل 100 ألف ولا توفر الدولة المغربية سوى طبيبا واحدا لكل 1038 مواطن موزعين بشكل غير متكافيء ما بين المناطق والمدن ,وتصل وفيات الأطفال دون الخامسة 38 % لكل 100 ألف .
ولقد كان تقرير اليونيسيف لسنة 2009 قد أبرز أن المغرب يحتل المرتبة 81 عالميا في ما يخص وفيات الأطفال دون السن الخامسة بنسبة 34 حالة في الألف سنة 2007، كما أبرز أن 26 % من حالات الولادة في المغرب لا تزال تتم في غياب القابلات أو الإشراف الطبي من أي نوع. تطور في الاتجاه السلبي واللهم لا شماتة .
وتشير نشرة مكتب منظمة الصحة العالمية بالمغرب، إلى إن 85 في المائة من النساء بالمغرب، يواجهن مشاكل عدة تعرقل ولوجهن إلى العلاج، تتجلى أساسا فيما هو مادي وتشكل نسبته 74 في المائة مما يشي بنوعية تطبيق الحق في العلاج كأحد أهم الحقوق الاجتماعية التي تنص عليها منظومة حقوق الإنسان .

علما أنه خلال الشهور السالفة سرب موقع اليوتوب بعض حالات الولادة إحداهما في ثلاثاء سيدي بنور وأخرى بمنطقة الريف تمتا في خلاء المستشفيات وثالثة تمت في كشك هاتفي . . . .مما يشي بنقص في الأسرة وبطبيعة الاستقبال في مستشفيات المملكة الشريفة , وبالتأكيد أن فظاعات أكثر بشاعة لم تطلها بعد يد الإعلام تتم داخل المستشفيات ويكون ضحاياها مواطنون لا حول لهم ولا قوة .

• كما صنف المغرب حسب التقرير الذي يصدره مكتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ضمن الدول العشر التي سجلت أدنى نسبة من أوجه الحرمان البيئي في الفقر المتعدد الأبعاد. وكشف أن نسبة الحرمان بالمغرب بلغت 45 بالمائة و أن نسبة السكان المعرضين لخطر الفقر تصل ل 12.3 بالمائة، و نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مذقع تصل 3.3 بالمائة.علما أن المصنفين داخل خانة الفقر تصل إلى 10 % :
أرقام تشي بحجم تهميش الوسط القروي الذي لا زال يعاني من هشاشة بنياته الأساسية وكذلك بترييف هوامش المدن التي تعاني من ضغط الهجرة القروية بمختلف تمظهراتها التي تعبر عن نفسها على شكل آفات اجتماعية ذات طابع صارخ يشي بحجم التهميش وغياب سياسات الإدماج التي من المفروض أن تترجم سياسات القرب المعلن عليها في أكثر من واجهة ومنبر .
• وبهكذا حصيلة يتموقع المغرب في آخر لائحة المجموعة المتوسطة كي يشارف بلدانا مثل ا لصومال و أفغانستان و موريطانيا ومدغشقر و جيبوتيه علما أن موارده الطبيعية والبشرية تؤهلانه لما هو أحسن بكثير لو توفرت الكفاءة التدبيرية وحسن توزيع الخيرات وفق الأسس الديموقراطية الحقيقية .

وبهذا تكون مرتبة المغرب 155 في مجال الأمية , 120 في الديموقراطية , المرتبة 130 في التنمية البشرية المرتبة, الرتبة الأخيرة في المغرب العربي في التعليم , والرتبة 15 ضمن الدول العربية العشرين ، المرتبة 80 بعد أن كان 72 في محاربة الفساد , من المرتبة 70 إلى الرتبة 77 في الرشوة , الرتبة 106 بعد أن كان 89 في حرية الصحافة , الرتبة 96 في حرية الإقتصاد , مؤكدا قدرة حكوماتنا على إتقان المشي نحو القهقري كإحدى مهارات قانون مدونة السير السياسي بالمغرب ونعم الكفاءة المميزة تلك .
ولا تفوتنا الإشارة إلى مراتبه الأولى في مجال الآفات الاجتماعية : كالهجرة السرية و إنتاج المخدرات والدعارة للنساء وحتى الأطفال والذكور الشباب .

• ولا شك أن هكذا حصيلة تشي بالفشل الذريع للمقاربات الترقيعية رغما عن كل النوايا الحسنة التي قد تكون شاركت في إعداد أو إنجاز ما تمت تسميته بالأوراش الكبرى أو حتى الصغرى .
• ولا شك أيضا أن هذه الأرقام تشي بنوعية الأداء الحكومي كي لا نتكلم عن المعطيات ذات الطابع الكيفي والتي لا يمكن اختصارها في أرقام لأنها تحتاج لتحاليل أعمق .
• وتسائل بشكل خاص الحكومات المتعاقبة وتضع ما سمي بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي أمام مسؤولياته التاريخية في إيجاد حلول ناجعة تكون في حجم التعويضات السخية التي يتسلمها من ميزانية شعب مظلوم في أبسط حاجياته وفي حجم الثقة التي استقاها من علاقات قربه من شعب طوال عقود النضال الاجتماعي أو السياسي قبل أن يتحول لسجل تجاري تتم المزايدة به في الأسواق السياسوية كما فعل العديدون الذين خذلوا شعبهم في أدق مراحل حياته من أجل مجد وهمي أو فتات زائل في حياة عابرة لن تخلد فيها إلا الأعمال النبيلة والطيبة .
• ذلك أن أي عمل مبتور عن سياق المقاربة الشمولية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية سيظل محدود النجاعة , إذ لا إصلاح بدون إعادة النظر في التوزيع العادل والمتوازن للسلط السياسية مما يضمن أداء فعالا للمؤسسات كآلية جوهرية للفعل الديموقراطي الحقيقي . . .ولا أقلاع اقتصادي بدون القضاء الحقيقي على اقتصاد الريع وإعادة توزيع الثروات ما بين الفئات الاجتماعية بما يضمن القضاء الفعلي على الفقر و على مختلف آليات التفقير ،ذلك أن الفقر المذقع هو أحد نتائج الغنى الفاحش .

عائشة التاج
الرباط