الصفحة الرئيسية > الأخبار > اقتصاد > موريتانيا: الدعم الخارجي يفسد صناعة الألبان المحلية

موريتانيا: الدعم الخارجي يفسد صناعة الألبان المحلية

الأربعاء 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2012


إن النساء في موريتانيا هن الرائدات في صناعة الألبان الوليدة ويحاولن الحصول على دعم الموريتانيين لصغار المنتجين المحليين، ولكنهن يواجهن منافسة حادة من قطاع الألبان الأوروبي المدعم. أري هارا هي جمعية تعاونية نسائية في قرية أري هارا، تحول الحليب إلى زبادي محلى، وتوفره للمحلات التجارية في أقرب بلدة، وهي بلدة بوغي التي تقع على بعد 350 كيلومتراً جنوب شرق نواكشوط. ومنذ تأسيس هذه الجمعية التعاونية في عام 2009، ساعدت أعضائها من النساء اللاتي يمارسن الزراعة والرعي على ضمان أن تحصل أسرهن على ما يكفي من الطعام في أوقات الجفاف. وقالت راماتا، واحدة من أعضاء الجمعية التعاونية، مبتهجةً: "ما زلت أذكر يوم تمكنت من شراء 50 كيلوغراماً من الأرز للأسرة من مالي الخاص".

ويمكنهن زيادة المبيعات إذا كانت لديهن القدرة على تسويق الزبادي في المدن البعيدة، ولكنهن بحاجة إلى طرقات أفضل وسيارة مبردة. فقد جمعت الجمعية الموريتانية لتطوير الذات (AMAD) وهي منظمة غير حكومية محلية 30,000 دولار أمريكي لمساعدة أري هارا على تأسيس هذا العمل التجاري، ولكنها لا تملك الأموال اللازمة لمساعدتهن على التوسع. ولكن أري هارا ليست الوحيدة التي ينبغي أن توسع نطاق توزيع منتجات الألبان، بل ينبغي على البلد بأكمله فعل ذلك، كما يقول الخبراء، حيث أن السوق الموريتاني يغرق بمنتجات الألبان الرخيصة المستوردة من أوروبا. ويعتمد 60 بالمائة من السكان على قطاع الثروة الحيوانية لتوفير شكل من أشكال الدخل، ويساهم القطاع بما يقرب من 8 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، إلا أن موريتانيا تستورد 65 بالمائة من احتياجاتها من الألبان، وفقاً لتقرير مشترك أعدته ثلاث منظمات غير حكومية هي إنترمون أوكسفام (Oxfam Intermon) ووكالة التعاون والبحث في ميدان التنمية والجمعية الموريتانية لتطوير الذات.

وقال سي موسى، أحد مسؤولي الجمعية الموريتانية لتطوير الذات، التي تواصل تقديم الدعم التقني لأري هارا: "سيكون قيام الحكومة بتحديد القرى التي لديها القدرة على إنتاج ما يكفي من الحليب لإقامة مشاريع مماثلة أمراً مثالياً". وأضاف أنه "على الناس أيضاً شراء الحليب ومنتجات الألبان الموريتانية".

إنشاء صناعة الألبان

أنشأت نانسي عبد الرحمن، وهي مهندسة بريطانية متزوجة من رجل موريتاني، شركة تيفيسكي (Tiviski)، أول معمل لإنتاج ألبان الإبل في قارة إفريقيا، في العاصمة نواكشوط عام 1987. في ذلك الوقت، لم يكن هناك أي حليب طازج متوفر في أسواق نواكشوط. وكان الحليب المجفف أو الحليب عالي الحرارة المستورد من أوروبا وأماكن أخرى هو المنتج الوحيد المتوفر. وقالت مريم عبد الرحمن، إبنة نانسي التي تدير تيفيسكي الآن: "لم تكن تحب فكرة صنع الحليب من المسحوق المستورد، كما يفعل الآخرون. وعندما رأت الرعاة الذين يبيعون حليبهم خارج المدينة - وكان حليباً طازجاً عالي الجودة - شعرت أنه لا بد أن تساعدهم وتوفر هذا الحليب للناس في المدن. كان عليها أن تناضل من أجل توفير الأموال اللازمة، وأخيراً أقرضها الصندوق المركزي للتعاون الاقتصادي مليون فرنك فرنسي [حوالى 195,000 دولار]".

ولكن المال لم يكن المشكلة الوحيدة. ربما كانت أكبر مشكلة هي جمع الحليب، حيث أن الرعاة لا يستطيعون تلبية الطلب على مدار السنة، وخاصة خلال ظروف الجفاف. ولحل هذه المشكلة، أنشأت عبد الرحمن منظمة غير حكومية تدعى رابطة تيفيسكي لمنتجي الحليب، لتوفير العلف الحيواني بنظام الائتمان وبأسعار منخفضة وتسترد قيمة القروض في صورة دفعات من الحليب. كما توفر رابطة تيفيسكي لمنتجي الحليب الرعاية البيطرية والأدوية، فضلاً عن خدمات الإرشاد المتعلقة بتغذية الحيوانات والنظافة.

كما كان عليها التصدي لوصمة العار المتمثلة في بيع الحليب. "كان بيع الحليب [يُعتبر] عملاً مخجلاً، لأنه كان ينظر إليه على أنه عمل لا يقدم عليه سوى أشد الناس فقراً وبؤساً،" كما أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أحد أبحاثه، الذي عرض جهود عبد الرحمن باعتبارها دراسة حالة. وقالت مريم أن أمها "اضطرت إلى إقناع الرعاة بالبيع، وتنظيم أنفسهم". "وفي الوقت نفسه، كانت تيفيسكي بحاجة إلى إقناع بعض الناس في المناطق الحضرية [الذين يفضلون الواردات الأوروبية] بأن استهلاك الحليب ومنتجات الألبان المنتجة محلياً أمر مقبول تماماً،" كما أفادت دراسة الحالة.

واليوم، تيفيسكي، وهي كلمة تعني "موسم الربيع" باللهجة الموريتانية، تجمع ما بين 10,000 و 20,000 لتر من الحليب يومياً من حوالى 1,000 راعٍ. وقالت مريم: "الشرط الوحيد هو أنه على الحليب ألاّ يحتوي على أية مياه وأن تكون الحاويات التي يتم إحضاره فيها نظيفة". وتبيع تيفيسكي الآن حليب الماعز والبقر أيضاً. ويشير بحث برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى إمكانية توسيع نطاق نموذج تيفيسكي لإنتاج الألبان في موريتانيا، وربما تكراره في أماكن أخرى من المنطقة لتحسين سبل عيش الرعاة شبه الرحل.

غير قادرة على المنافسة

ولكن منتجات الألبان الأوروبية تواصل خنق الألبان المحلية مثل تيفيسكي. فقد أشارت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إلى أن المنتجين الفقراء في موريتانيا لا يستطيعون منافسة قطاع الألبان المدعم في البلدان المتقدمة في أوروبا وغيرها. وجاء ذلك في تقرير بعنوان "لماذا أصبحت إفريقيا مستورداً صافياً للأغذية؟" وأضاف التقرير أن الدول الصناعية قدمت ما لا يقل عن 20 مليار دولار لدعم قطاعات إنتاج الألبان بين عامي 1986 و 2007.

وتقول مريم: "إن الحكومة لا تقدم لنا أي حماية منها، ونحن أيضاً بحاجة إلى بعض الدعم للأعلاف، التي نستوردها لموردينا". الرسوم الجمركية منخفضة في غرب إفريقيا، "والمزارعون المحليون يُطردون من سلسلة القيمة الخاصة بإنتاج الألبان بسبب الحليب المجفف الأوروبي المدعوم،" وفقاً لتقرير عام 2011 الصادر عن كونكورد، وهو اتحاد المنظمات غير الحكومية الأوروبية للإغاثة والتنمية. "وبالتالي، فإن الإنتاج الإقليمي غير قادر على تلبية متطلبات السوق المحلية. فأشار التقرير إلى أنه في بوركينا فاسو، تم استيراد ما يقرب من نصف كمية الحليب المستهلكة في البلاد في عام 2006، وفي المناطق الحضرية وصلت النسبة إلى حوالى 90 بالمائة. فيمثل الحليب المجفف المدعم الأوروبي نصف الواردات الرخيصة. واليوم، لا تزال ظروف السوق غير العادلة تقوض إنتاج الحليب المحلي."

وفي محاولة للتخفيف من تأثير الدعم الذي تقدمه، فرضت المفوضية الأوروبية في عام 1984 حصة من الحليب الذي يمكن إنتاجه حتى تحول دون إغراق أسواق البلدان النامية بفوائض إنتاجها. كما حظرت المفوضية دعم صادرات منتجي الألبان في عام 2008. ومع ذلك، ففي عام 2009، عندما تراجع الإنتاج وارتفعت أسعار الحليب إلى مستوى قياسي، أعادت دعم الصادرات لمزارعي الألبان، ومن المتوقع أن تقوم بإلغاء نظام الحصص في عام 2015. وذكر تقرير كونكورد أنه "جنباً إلى جنب مع ممارسات الاتحاد الأوروبي الحالية وكذلك توجهات السوق في هذا القطاع، يثير هذا مخاوف جدية من إمكانية أن تزداد التأثيرات الخارجية لسياسة إنتاج وتوزيع الحليب في الاتحاد الأوروبي سوءاً".

لكن قطاع الحليب المحلي يحتاج أيضاً إلى تنظيم، والدعم الحكومي لجهودهم سيكون ضرورياً. فقد أشار خبير الفاو لمنتجات الألبان واللحوم، أنتوني بينيت، أنّ ما بين 30 و 40 بالمائة من الحليب المنتج محلياً في غرب إفريقيا يضيع أو يُفقد بسبب عدم معرفة الرعاة أو عدم قدرتهم على معالجة الفائض من الحليب. إن عكس هذا الاتجاه يمكن بالفعل أن ينقذ الأرواح. فذكر جان بوسكو موفيلينغ من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في موريتانيا، أن مساعدة الرعاة على تحقيق إمكانات تسويق وبيع حليبهم الفائض يمكن أن تجعلهم أكثر قدرة على التكيف والمواجهة، ما سيتيح لهم تحمل موجات الجفاف المتكررة في المنطقة على نحو متزايد.

المصدر : شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) - مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية