الصفحة الرئيسية > رأي > النفاق الاجتماعى

النفاق الاجتماعى

الاثنين 9 تموز (يوليو) 2012


بقلم : د. حسن عبد الحميد الدّراوى

لقد ظهر فى الآونة الأخيرة سـلوك ممقوت عرفه
عُلماء الاجتماع بأنه نفاق اجتماعى، وهذا النفاق الاجتماعى قالوا عنه: إنه آفة يهدد كيان الأمة وهو من السلوكيات الذميمة والمرفوضة وهو يزعزع الصدق والصراحة فى نفوس البشر.

فكل رمزٍ من رموز الوطن له بطانةٌ تُمارس لعبة التضليل والتَّملّق والتّزلّف والمديح المزيف، فشيخُ العلم لديه أتباع من المحبِّين والمعجبين يخلعون عليه صفات الكمال ويوهمونه بأنه حجة العصر، ووحيد الدهر وشبيه البحر فى درره، فيقع الممدوح فى الفخ ويصاب بداء العُجب والتيه.

والسياسى عنده بطانة تقتات بكلمات الإطراء ومقامات الثناء الممجوج، وتوهمه بأنه الملهم وقلب الأمة النابض ومحبوب الجماهير، وتذكر له أحلاماً مَنامية كاذبة تدل على صلاحه وعدله وإيمانه واستقامته، وتخبره هذه البطانة أن العجائز فى البيوت يدعون له، وأن الشيوخ والأطفال يعيشون على حبّه، وأن عدله وصل الجميع وبرّه وَجُوده عمّ الكل، فيتورّط فى دهاليز العلو فى الأرض والتّكبر على عباد الله والتّجبر على الأمة.

والأعيان والتجار والمشاهير وأصحاب الأعمال لهم جُلاّس وسُمّار يمارسون معهم لعبة الضحك على الذقون وتمويه الحقائق، ويعطونهم صورة خاطئة عن الواقع ليكسبوا الحظوة لديهم، وينالوا شرف صحبتهم، ويبتزوا أموالهم، فإذا غابوا عنهم سلقوهم بألسنة حِداد شِداد، فإذا أتيتَ تريد المكاشفة والصدق والوضوح والشفافية ضاع صوتك بين الأصوات وصرت ثقيلاً وأصبحت نشازاً، فتضطر رغم أنفك للمشاركة فى حفل تأبين الضمير وفى جنازة موت الحقيقة، وهذا يدلّك على الغثائية التى وصلت إليها الأمة. أما كان الأعرابى يحاور عمر ويناقشه وهو على المنبر؟
أما طلب عمر من الناس تيسير المهر وعدم المغالاة فى الصداق، فقامت امرأة من آخر المسجد فقالت لعمر: يا عمر كيف تريد تقليل المهر والله تعالى يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا)؟ فصاح عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر.

نحن لا نطلب من الناس سوء الأدب مع الرموز الدينية والسياسية والوطنية وسائر الناس، ولا التجريح ولا التشهير، ولكن نطالب الجميع بالكف عن هذا النفاق الاجتماعى وحجب الحقائق وإدخال هذه الرموز فى نفق مظلم من الوهم. يقول الحسن البصرى: «تولّى الحجاج العراق وهو عاقل كيّس، فما زال الناس يمدحونه حتى صار أحمق طائشاً سفيهاً.....، فلما ضعف الوازع الدينى عند الأمة وقلَّ الصدق أكثرتْ من ألقاب المديح وصفات التّزلّف بعدما كان الصحابة فى عصر الخيريّة والقيادة والريادة ينادى بعضهم بعضًا، فيقولون: يا أبا بكر، يا عمر، يا عثمان، يا على، وهم قد فتحوا القلوب والأسماع والأبصار والبلدان بالإيمان والعدل والسلام، ولكن الرئيس العربى ركَّبَ على صدره النياشين وعلى أكتافه النجوم وفى الشوارع أقواس النصر وهو لم ينتصر فى معركة واحدة بل إن أجزاء من بلاده تحتلها إسرائيل.

إن تمويه الحقائق على الرموز وصنّاع القرار والمؤثِّرين معناه ضياع البلاد والعباد، فهؤلاء المتملِّقون والمتزلِّفون من البطانة همهم أنفسهم، وهم الذين يحملون شعار (كل شيء على ما يرام ....... تمام يا فندم ... )،، فيبقى على خطئه، ويستمر على أوهامه، والسياسى تُحجب عنه حقائق الوطن والناس تحت مظلّة ...... الناس مرتاحون ويدعون لكم وهم فى أرغد عيش وأحسن حال.... يركبون الســــيارات ... ورغيف الخبز متوفر وكثير، والدواء كثير وعليه يُعطَّل اهتمام الوالى بأحوال الناس وحاجاتهم، وتنحدر البلاد فى التّخلّف والفقر؛ لأن هذه العصبة قد ضمنت مصالحها، واطمأنت لمستقبلها، فلا يعنيها حال أحد من البشر.
ومن واجبنا القضاء على تلك الآفة اللعينة حفاظا على أخلاق وســـــلوكيات المجتمع النظيف.

المجتمع العربى القائم على الأخلاق والقيم والمبادئ ... سلوكيات الفطرة ... سلوكيات الحب والســـــــماحة.

ولكن المُتابع للســـــلوك العام والمتأمل يجد أن تلك الآفة
الاجتماعية اللعينة آخذة فى الانتشار فى كل المجتمعات العربية
ويعتبر النفاق الاجتماعى من الأمراض التى تثقل كاهل الناس فى الحياة اليومية، والبعض يخرجه من
مسماه الحقيقى ..... نفاق ويطلقون عليه مصطلح ....... فن التعامل علما بأن الفرق بينهما فرق.

تحيتى لكل من يُقدم النصيحة لمن يطلبها... نصيحة ناصــــعة... تُحقق الأمن والأمان والنفع والهدوء والراحة ورغد العيــش للناس.

د. حسن عبد الحميد الدّراوى