الصفحة الرئيسية > رأي > تنظيم القاعدة.. والصعود السياسي للقوى الإسلاميّة

تنظيم القاعدة.. والصعود السياسي للقوى الإسلاميّة

السبت 3 آذار (مارس) 2012


بقلم : سمير العركي

مثلت ثورات الربيع العربي نقطة مفصلية في تاريخ الحركات الإسلامية، ونقلتها من منطقة الاضطهاد والتهميش والإقصاء إلى المشاركة والوصول إلى سدة الحكم والفوز بثقة الشعوب العربية في الدول التي أجريت فيها الانتخابات حتى الآن. حدث ذلك في المغرب وتونس ومصر، إضافة إلى ليبيا التي يتوقع فوز التيار الإسلامي فيها بأغلبية كما حدث في باقي الدول المجاورة.

ولكن هل يكون هذا الصعود إيذاناً ببدء مرحلة من الصراع الإسلامي – الإسلامي في ظل التهديدات التي يمثلها تنظيم القاعدة لهذه القوى الصاعدة؟

فقبل أيام كشف وزير الداخلية التونسي علي العريّض (الوزير في حكومة حركة النهضة) عن تفكيك خلية مسلحة كانت تخطط لإقامة إمارة وصفت بالسلفية في تونس، وذلك في منطقة بئر علي بن خليفة في محافظة صفاقس مطلع شباط الماضي.

وقال العريض في مؤتمر صحفي: إن نتائج التحقيقات كشفت أن تلك المجموعة تنتمي إلى شبكة مسلحة أوسع تم إلقاء القبض على 12 عنصراً منها والتعرف إلى تسعة عناصر أخرى، حال فرار ثمانية منهم في ليبيا، وواحد يعتقد أنه في الجزائر.

وأشار إلى أن أفراد الشبكة أغلبهم من الشبان الذين لا يتجاوز سنهم 30 عاماً، ومعظمهم ما بين 20 و22 سنة، حاصلون على شهادة التعليم الثانوي، وتلقوا تدريبات متنوعة في معسكرات للتدريب بليبيا، إثر انضمامهم الى صفوف الثوار هناك في الانتفاضة العسكرية على نظام القذافي.

هذا الكشف التونسي ربما يدق ناقوس الخطر فوق رؤوس التيارات الإسلامية التي تسعى لتوطيد دعائم حكمها في بلاد الربيع العربي، رغم أن الحلم الذي فنيت أجيال بأكملها من أجل تحقيقه بات قريب المنال، وأزيلت الحواجز الأمنية الغاشمة أمام انطلاق «النهضة» الإسلامية.

فتطورات الأوضاع تكشف بروز تنظيم القاعدة في الشمال الأفريقي وعدم قناعته بالتطورات الأخيرة الإيجابية التي شهدها التيار الإسلامي، ولعل أهم ملامح هذا البروز تكمن في الآتي:

1- انضواء عدد كبير من مقاتلي تنظيم القاعدة تحت صفوف الثوار الليبيين تحت قيادة زعيمهم عبد الحكيم بلحاج، وقسم كبير من هؤلاء قاتل في أفغانستان وخرج من السجون الليبية إثر مراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة، ومن هنا فإن هناك مخاوف حقيقية من تحول الأراضي الليبية إلى مأوى للقاعدة في ظل غياب سلطة الدولة، مع ما يصاحب ذلك التأسيس من تصدير فكر وممارسات القاعدة إلى الجوار الليبي، وهو ما وضح في شأن الخلية التونسية التي تم كشفها.

2- الهجوم الكبير الذي شهدته سيناء في مصر أواخر العام الماضي، الذي تمثل في محاولة فرض السيطرة على مدينة العريش والمناداة بتأسيس ما يسمى الإمارة الإسلامية في سيناء، وقد اتضح من نوعية السيارات المستخدمة في الهجوم وتسليح المهاجمين، حجم الدعم اللوجستى الذي تتمتع به هذه الجماعات.

3- بروز ما يسمى التيار السلفي الجهادي، الذي أصبح له وجود ملحوظ في ميدان التحرير في قلب القاهرة. ففي بيان حمل الرقم «1» الذي صدر بتوقيع كل من د. طارق عبد الحليم وهاني السباعي مدير مركز المقريزي في لندن المرتبط بتنظيم القاعدة حاول من خلاله أن يبشر الجماهير بتأسيس ما يعرف بـ «التيار السني لإنقاذ مصر»، شرح فيه أسباب نشأة التيار، الذي جاء بعد أن انقسم الفريقان الأكبر من هذه التيارات إلى قسمين, قسمٌ أخلص لأيديولوجيته السياسية فسار عليها لا يحيد، وهم جماعة الإخوان المسلمين.. أما التيار الثاني فهو تيار السلفية، فلبسوا البزات وأربطة العنق، وأنشأوا حزباً، يتصارع على مقاعد البرلمان، ويتودّد إلى العسكر، بل يدعو لنصرتهم والدخول تحت طاعتهم. كما أن البيان هاجم الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها التيار الإسلامي بأغلبية كبيرة ولكن التيار اعتبرها بمثابة «تمويه على العامة، ومداعبة لأحاسيسهم أنّها وسيلة الحرية والعدل والمساواة والرخاء، بينما هي وسيلة لغالب تلك «التيارات الإسلامية» للوصول إلى سدة الحكم.

4- الحضور الملحوظ للقاعدة في المغرب العربي، الذي يقدّر أعضاؤه بما يقرب من 300 إلى 800 مقاتل أغلبهم من الجزائريين، فيما يتوزع الباقون على جنسيات مختلفة أبرزها موريتانيا وليبيا والمغرب وتونس ومالي ونيجيريا، وهذا التنظيم ينشط بصفة أساسية في الجزائر ويمتد نفوذه إلى موريتانيا وتونس والنيجر ومالي وجنوب الصحراء، كما يتولى التنظيم تدريب عناصر من دول الجوار التي تنفذ عمليات داخل أراضيها على غرار موريتانيا والمغرب وتونس، فهذا الوجود سيحاول إنفاذ أيديولوجيته وأفكاره التي يبدو منها أنها لم تعترف حتى الآن بهذا الصعود الإسلامي غير المسبوق في مصر وبلاد المغرب العربي.

ومن المتوقع أن تمثل تهديدات القاعدة التحدي الأبرز الذي يواجه الصعود الإسلامي ضمن تحديات شتى، وهو ما يستلزم اتخاذ التدابير اللازمة قبل أن نشهد مواجهة إسلامية – إسلامية غير مطلوبة.

سمير العركي